عبر قرون من الكتابات والرسومات المناهضة للإسلام، ومن خلال قصص جرائم الشرف والزواج من الصغيرات ومنع تعليم النساء، والأعمال الإرهابية الممهورة بتوقيع المسلمين، خصوصاً في الثمانينيات والتسعينيات، تشكّلت صورة في الذهنية الغربية عن الإسلام أنه دين معزول، وجامد، وبدائي، وليس لديه قيم مشتركة مع الثقافات الأخرى، ويتّسم بالعنف، ومتحيّز ضد النساء، وأنه أيديولوجية سياسية أكثر من كونه ديناً. وبعد جريمة 11 سبتمبر التي ارتكبتها ثلّة من الذين يعدّون في نظر الغرب مسلمين ملتزمين بذلك الدين الذي يتصوّرونه، انتقلت الصورة من الرؤوس إلى برواز يعلّق في كل بيت لا يصلي أفراده إلى القبلة في مكة المكرمة، لدرجة أن دولاً آسيوية انتهزت صورة الضربة «الإسلامية» لخلط الأوراق، فيما يخص حقوق مواطنيها المسلمين، وحتى الكارهين للسياسة الأميركية في آسيا، وأميركا اللاتينية، وفي أوروبا أيضاً، ربما باركوا الضربة في دواخلهم ولسان حالهم أنه لا يفلّ العجرفة الأميركية سوى «الوحشية الإسلامية»! بعد الصورة «القاعدية» للإسلام، رأينا مظاهرات تخرج ضده، وأفلاماً تحطّ من شأنه، وكاريكاتيرات تسيء إليه، وحملات لإحراق كتابه، وقوانين لمنع رموزه كالحجاب والمآذن، وتمييز في أماكن العمل ضد أبنائه، وتضييق على العمل الخيري في وسطهم، واعتقالات تصطادهم دون غيرهم، وجرائم قتل على الهوية الدينية، ناهيكم عن المضايقات «الخفيفة»، كالإساءات اللفظية، والكتابة على الجدران. وإذا كان هذا يحدث في الغرب، فإن ما تبقى من العالم كان يتفرّج متفهّماً أو موافقاً، خصوصاً أنه وبالموازاة مع شيطنة الإسلام، أخذ الإرهاب المحسوب عليه يتزايد، كأن الفاعلين يتعمدون إعطاء المبررات لكل ذلك الخوف من الإسلام، حتى كانت «داعش». وأسقطت هذه العصابة الوحشية، بأفعالها المصوّرة تحت راية لا إله إلا الله، الصورة السابقة عن الإسلام، وأخذت تصنع صورة جديدة لا مثيل لها في البشاعة، حتى ظهرت صورة الرائد مريم المنصوري تجلس إلى مقود طائرتها الـF16، مشيرة بيدها بالجاهزية، كقائدة للسرب الجوي الإماراتي المنطلق لضرب قطعان «الدواعش». البشر يُأخذون بالصورة، وما كان الحديث عن انتهاكات الأميركيين في العراق إبان احتلاله يعني شيئاً لمن لا يهتم، أو لا يصدّق، أو لا يتصوّر، أو لا يخطر بباله، لولا الصور القليلة التي تسرّبت من «أبوغريب». وما كانت الجرائم الإسرائيلية تُفهم لولا صورة محمد الدرة. ولو لم يظهر فيديو اصطدام الطائرة بالبرج الأميركي، وظهرت بدلاً منه صور لأنقاض البرجين، لربما لم يصدّق أحد قصة الطائرات. الإمارات، كانت على الدوام ترسل صورة أخرى عن الإسلام، وتحديداً عن العرب المسلمين، الذين يعانون من تلك النظرة السيئة أكثر من غيرهم من المسلمين، كالأتراك والفرس والهنود والمالاويين، فهاهو مجتمع عربي وإسلامي متحضر وعصري ومتفاعل مع الحضارة الحديثة، وربما أسهمت الصور القادمة من الإمارات في التخفيف من حدّة العداء للإسلام، والازدراء للعرب، في أنحاء الأرض. أما وقد انتشرت صورة مريم المنصوري في وسائل الإعلام العالمية، بحجابها الذي هو أكثر الرموز الدالة على الهوية الإسلامية، وأكثر الرموز التي تثير حفيظة الكارهين للإسلام، فإن صورة هذا الدين بأنه ليس لديه قيم مشتركة مع الثقافات الأخرى، ويتّسم بالعنف، ومتحيّز ضد النساء، ويعزلهن في البيت، ويسجنهن خلف الحجاب، قد تراجعت في الأذهان، فالمنصورية تطير بحجابها ضمن تشكيل دولي بُني للقضاء على هذه العصابة، كانت بلادها في الصف الأول منه. وعلى أقل تقدير، فإن النسخة الأخيرة من صورة الإسلام، نسخة «داعش» البشعة، احترقت بفضل نيران طائرة المنصورية وإخوتها الطيّارين الإماراتيين.