مع بداية العقد الحالي، أشارت تقارير دولية إلى أن اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي سيصبح سادس أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2025، إذ يبدو أن هذه التوقعات ستتحقق ربما قبل موعدها بسبب التطور السريع للاقتصادات الخليجية، مستفيدة من المعدلات المرتفعة لأسعار النفط، والتي وصلت لمستويات قياسية في السنوات القليلة الماضية. وبما أن الاقتصادات الخليجية تعتبر واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم إلى جانب البلدان الناشئة الأخرى، كالصين والهند، فإنه من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الخليجي بنسبة 4.2% في العام الجاري ليصل إلى 1.7 تريليون دولار، مقابل 1.65 تريليون دولار في العام الماضي 2013 وليحتل المرتبة 12 عالمياً. ويشمل هذا النمو الاقتصادات الخليجية الستة دون استثناء الإمارات والسعودية والكويت والبحرين وعُمان وقطر، وذلك رغم التفاوت البسيط بينها في معدلات النمو، مما يعني أن البلدان الخليجية تسير بشكل متناسق لمرحلة جديدة من التنمية. هناك بعض التوجهات التي ستدعم الطموحات الخليجية لتصبح ضمن الاقتصادات العالمية العشرة الأولى بحلول عام 2020 يأتي في مقدمتها "الهجمة" الاستثمارية في دول المجلس، سواء من الاستثمارات المحلية أو الأجنبية التي ترى في هذه البلدان قدرات استثمارية غير محدودة، بما في ذلك في القطاعات الصناعية والعقارية والقطاع المالي المزدهر، وبالأخص بعد تأهل سوقي الإمارات وقطر للأسواق الناشئة وفتح السوق السعودية للمستثمرين الأجانب تمهيداً لترقيتها للأسواق الناشئة في الفترة القادمة. من جهة أخرى يتوقع أن تستكمل عملية التطبيق الكامل لبعض الاتفاقيات الخليجية المشتركة، كإقامة الاتحاد الجمركي بصورة كاملة بداية العام القادم 2015، أي بعد ثلاثة أشهر من الآن، مما سيتيح فرصاً استثمارية وحرية انتقال أكبر للسلع وإقامة المشاريع المشتركة بين رؤوس الأموال الخليجية. إضافة إلى ذلك سيرافق هذه التوجهات تعزيز البنية التحتية الخليجية المشتركة من خلال ربط مكونات البنى التحتية الخاصة بكل دولة خليجية ببقية البنى في دول المجلس، بما في ذلك استكمال شبكة القطار الخليجي في عام 2018 وإقامة طرق جديدة بين هذه البلدان، كإقامة جسر جديد بين السعودية والبحرين وربما بين البحرين وقطر. بدوره، فإن القطاع الخاص في دول المجلس سوف يستغل هذه التطورات الإيجابية لتقوية دوره وزيادة حصته في الناتج المحلي الإجمالي من خلال تنمية القطاعات الاقتصادية غير النفطية، بما في ذلك الدخول في شراكات استثمارية كبيرة، سواء مع رؤوس الأموال الأجنبية أو مع القطاع العام في دول المجلس. وإذا أضيف إلى ذلك استقرار أسعار النفط عند معدلاتها المرتفعة مصحوبة بزيادة الإنتاج المتوقعة في كل من الإمارات والسعودية والكويت، فإن احتلال موقع ضمن الاقتصادات الست الأولى في العالم، ربما يصبح حقيقة قائمة قبل عام 2025. المثير للإعجاب أن هذا التقدم الخليجي يحدث في ظل أوضاع مضطربة وعدم استقرار في منطقة الخليج والشرق الأوسط، وفي ظل تداعيات أزمة عالمية لم تتلاشَ فصولها بصورة نهائية حتى الآن، مما يعبر عن الجرأة والثقة الخليجية في تحقيق الأهداف الاقتصادية بغض النظر عن تعقيدات الأوضاع الجيو- سياسية، حيث عبر عن ذلك في فترة سابقة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي عندما قال :"لو استمعنا إلى الآراء الخاصة بالمخاوف المحيطة لبقينا نراوح في مكاننا طوال فترة حروب الخليج، الحرب العراقية الإيرانية وغزو الكويت والحرب الأميركية على العراق" تلك السنوات بالذات التي حققت فيها دولة الإمارات أهم إنجازاتها لتتحول إلى منطقة استقطاب اقتصادي عالمية. تجدر الإشارة إلى أن لهذا التقدم الخليجي المرتقب تداعيات سياسية واستراتيجية ستؤدي إلى تنامي دور دول المجلس ككتلة لها شأن في العلاقات الدولية تتناسب وثقلها الاقتصادي. د.محمد العسومي