هل ستكون الاضطرابات الجارية حالياً في هونج كونج على خلفية الاحتجاجات المكثفة التي تشهدها شوارعها الرئيسية القشة التي ستقصم ظهر الاقتصاد العالمي؟ هذا السؤال يتردد كثيراً على لسان المستثمرين وهم ينتظرون الكيفية التي ستتعامل بها الحكومة الصينية مع أحد أكبر التحديات الاقتصادية والسياسية التي تشهدها البلاد خلال السنوات الأخيرة، والحقيقة أن الجواب أبعد ما يكون عن البساطة، فالبعض يسارع إلى التوسل بالتاريخ لاستبعاد أي تداعيات اقتصادية ممتدة للتوتر الجاري حالياً في هونج كونج سواء داخل الصين، أو خارجها، وهم محقون في الإشارة إلى قدرة الحكومة الصينية المتكررة على إخماد أسباب التوتر الداخلي والقضاء على الحركات الاحتجاجية، دون أن يستدعي ذلك تغييراً جوهرياً في مسار النمو الاقتصادي للبلد، وهم يراهنون أيضاً على الوقت حتى تخفت مظاهر الاحتجاج ويتراجع العصيان المدني الذي يشل وسط هونج كونج، لكن هذه النظر التي تسعى للتقليل من شأن الاضطراب السياسي وتأثيره على النمو الاقتصادي تغفل حقيقتين تاريخيتين في غاية الأهمية. أولاً يختلف السياق الحالي للاحتجاجات عن المرات السابقة في أنه يجمع بين انتشار الإنترنت والإعلام الاجتماعي، وبين قدرة أكبر على التحرك والتنسيق، ما يعني إمكانية أفضل لإدامة المظاهرات والاستمرار فيها، مع تزايد ثقة المحتجين في أنفسهم وإمكانية الفرد في الضغط على الحكومة للاستجابة لمطالب عامة، كما أن النتائج المترتبة على التحرك الجماعي للأفراد وتعبئتهم في إطار مطالب اقتصادية وسياسية يصبح من الصعب التنبؤ بمآلاته، أما الحقيقة التاريخية الثانية التي تدعو لإعادة التفكير في قدرة التوتر السياسي على التأثير في الاقتصاد، فتتمثل في أن الصين منخرطة في عملية دقيقة لإصلاح نموذجها الاقتصادي الراهن، هذا الإصلاح يشمل تقليص الاعتماد على الطلب الخارجي والاستثمارات المفرطة للدولة القائمة على القروض وفسح المجال بدلاً من ذلك أمام محركات داخلية لتحقيق النمو وزيادة الاستثمار وتعزيز الاستهلاك، ولا يعني ذلك أن استقرار الصين تتهدده المظاهرات الحالية، وأن احتمالات التراجع الاقتصادي في الصين سيكون له تداعيات مدمرة على الاقتصاد العالمي، بل بالعكس من المرجح أن تكبح السلطات الصينية الحركة الاحتجاجية كما فعلت في السابق. لكن المشكلة أنه بإخمادها للأصوات المحتجة ستميل الصين أكثر إلى إبطاء وتيرة الإصلاحات الاقتصادية، ساعية بدلا من ذلك إلى انتزاع أكبر قدر ممكن من النمو على الطريقة القديمة وبالاعتماد على النموذج الحالي الذي تسعى لتجاوزه، وهو أمر شبيه بما أقدمت عليه البرازيل لمواجهة الاحتجاجات التي اندلعت قبل انطلاق كأس العالم لكرة القدم. وإذا كان ذلك مفهوماً ضمن استراتيجية سياسية أشمل ستلجأ إليها الصين لمواجهة التحديات الآنية والتغلب على مواطن القصور السياسي في نظام الحكم، من خلال التركيز على الاستقرار وتأجيل الإصلاح، وأيضاً التخفيف من حدة الصدمات المحتملة على الاقتصاد الصيني والعالمي، إلا أنه وفي المقابل قد لا يكون تغليب الاستقرار على الإصلاح الاقتصادي في المدى القريب مفيداً بالقدر نفسه على المدى البعيد سواء بالنسبة للاقتصادي الصيني، أو العالمي. محمد العريان ـ ـ ــ ـ رئيس مجلس التنمية العالمية التابع للرئيس أوباما _ _ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"