يشتد الفزع الآن في الشرق الأوسط. ويزداد تواتر مشاهد الخوف وعدم الاستقرار، ولعل أحدثها هو تدفق الأكراد السوريين في أعداد لا تخطر على بال إلى تركيا التي تستضيف بالفعل أكثر من مليون لاجئ من سوريا، وتأتي هذه الموجة الجديدة وكما لو أن المنطقة ليست متخمة أصلاً بالفعل بسيل من اللاجئين الذين شردهم من بيوتهم العنف والإرهاب. وفي الوقت ذاته، تدفقت قوات البشمركة الكردية عبر الحدود لخوض الحرب ضد «داعش». ولا شك أن استيعاب اللاجئين وتوفير المساعدات والمأوى قضية ملحّة وتستحق الاهتمام مثل الضربات الجوية على «داعش». وقد طالب الكونجرس الأميركي من الرئيس أوباما بأن يتحرك، بينما يمانع الكونجرس نفسه في فعل أي شيء سوى انتقاد الرئيس بشدة والتحامل على المنافسين الحزبيين. فليعلنوا الحرب إذا كانوا يريدون حرباً حقيقية لتخليص العالم من شرور الإرهاب. والآن يقول الرئيس إن الولايات المتحدة «ستتخلص» من «داعش» من خلال حرب ما زال يتعين على الكونجرس قبول تمويلها. وهناك عدد من الدول التي وافقت مع جون كيري على دعم الحرب في أرض المعركة بينما تنخرط فيها الولايات المتحدة. وقد لا يكون الكونجرس مهتماً إلى حد كبير بأن يعلن حرباً أخرى بينما انتخابات التجديد النصفي لم يبق عليها إلا بضعة أسابيع. ودرجة الرعب التي أحسها الأميركيون فيما يبدو من عمليات قطع الرقاب مثيرة للدهشة. إنني أفهم أن يثير الذبح اللاإنساني الذي يمارسه «الجهاديون» الرعب. وحكومات الدول الأوروبية التي تعيش فيها أقليات مسلمة كبيرة لديها قلق له ما يبرره أيضاً. فبعض المتطرفين من الشبان، وبعض الفتيات أيضاً، في تلك الدول ذهبوا إلى تركيا كي يعبروا الحدود وينضموا إلى ما يعتبرونه «جهاداً» وهو في الحقيقة عنف طليق وإرهاب. فماذا لو عاد أولئك الشبان والفتيات كي يواصلوا «الجهاد» في الديار؟ حتى لو كانت بعض الأدلة تشير إلى أن من رحلوا، عاد معظمهم بسبب الصدمة وهم يبحثون عن السلام وليس المزيد من الحرب في بلدانهم. ولعل فهم أسباب تفشي الخوف في الولايات المتحدة أصعب. صحيح أن المدعو «أبوبكر البغدادي» الذي أعلن نفسه «أميراً للمسلمين»! توعد بأنه يريد أن ترتجف قلوب الأميركيين، وتلا كل الأمور المروعة التي يبتغي لأنصاره المفترضين على امتداد العالم أن ينفذوها ضد «الكفار»! وقد تحسس بعض الأميركيين رقابهم وهم قلقون فيما يبدو بينما كانوا يستمعون إليه. وأتذكر بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر أن بعض الأميركيين من الجناح اليميني نشروا رسائل بريد إلكتروني حذروا فيها الأصدقاء من أن المتطرفين سيحاولون تطبيق «الشريعة» في محاكم بلداتهم. ولكن اتضح أن الخطر عليهم من الجماعات المدافعة عن حمل السلاح أكبر. ولنطرح هذا السؤال: كيف يمكن أن تصل حشود «داعش» إلى الولايات المتحدة؟ فشركات الطيران لن تحملهم على متن طائراتها ما داموا يحملون بنادق كلاشينكوف أو قاذفات صواريخ! أو لعل السفر على متن سفينة بحرية يكون عملياً بشكل أكبر لأن بوسعهم أن ينقلوا معهم السيارات المصفحة الأميركية التي استولوا عليها والشاحنات التي تحمل على متنها مدافع آلية! وسيكون هناك طعام أفضل وإنْ كان غير معد وفق تعاليم «الشريعة»، وقد يحتز مقاتلو «داعش» رقاب قبطان السفينة والطاقم المساعد له قبل الرسو في «هوبوكين» في نيوجيرسي أو فورت لودردال في فلوريدا كي يتخلصوا من الشهود. ولكني واثق من أن وزارة الأمن الوطني ستكون موجودة هناك أيضاً وستؤدي عملها. صحيح أن مؤسسات الولايات المتحدة والحلفاء في الخارج معرضة للخطر، ولكنها كذلك أيضاً منذ أعلن بوش الحرب العالمية على الإرهاب وغزا العراق مستخدماً أساليب الصدمة والترويع. والإرهاب أصبح هو التقليعة السائدة منذ فترة. ولا جديد في هذا. وفي الشرق الأوسط أصبح العيش أصلاً صعباً بشكل كبير. وأصبح أكثر خطورة بكثير بعد أن بدأت الولايات المتحدة عمليات تدخل عسكري حقيقية في أفغانستان والعراق إثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وكان أوباما قد فاز بالانتخابات بسبب وعوده بإنهاء كل الحروب وإعادة الجنود إلى عائلاتهم. وظل جهده ضد الإرهاب يبلي بلاء حسناً حتى ظهور إرهاب «داعش» وتفاقم خطره، الذي أعاد الاحتقان وعدم الاستقرار والعنف والتطرف للواجهة من جديد. وعلى الرغم من الضربات الجوية الأميركية والفرنسية حتى الآن، ما زال خطر «داعش» قائماً. وفي العراق، العام الماضي، وحالياً في أفغانستان، رفضت الحكومات المنتخبة اقتراح الحضور الأميركي طويل الأمد في بلدانها. وللمرء أن يفكر في أنه في ظل الظروف الحالية، فإن عودة الأميركيين ستكون خياراً صعباً. والأميركيون هم من تقول «داعش» إنها تريد قتلهم في الداخل والخارج. والسبب المعلن لهجوم «القاعدة» على نيويورك وواشنطن قبل أكثر من عقد من الزمن، رفض الجماعات المتطرفة أي وجود أميركي في المنطقة. فلماذا لا يدرك أوباما وبعض أعضاء مجلس الشيوخ الأقل هياجاً أبعاد المأزق المزمن في الشرق الأوسط؟ وفي رأيي الشخصي أن العرب لا يطلبون منا أن نقودهم. إنهم يطلبون منا الرحيل. وفهم هذا قد يجعل الأميركيين ناخبين سعداء. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون ميديا سيرفس»