تحولت مدينة القدس المحتلة إلى مدينة «أكثر عنفاً» من مدن الضفة الغربية كلها. جهاز الأمن العام الإسرائيلي «الشاباك» من جهته، أعلن أنه لم يتمكن حتى الآن من تحديد ما إن كانت هناك يد تحرك الشباب في القدس المحتلة. لكن القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي نقلت عن مسؤولين ما مفاده، أن أجهزة أمنية إسرائيلية ذهبت إلى أن لهذه الحوادث طابعاً عفوياً شعبياً، وربما هناك تنظيمات محلية تدعمها. أما صحيفة «إسرائيل اليوم» فتقول: «شرارة الانتفاضة الأولى انطلقت بالفعل من القدس، حيث شهدت المدينة في بداياتها العديد من حوادث الطعن والتراشق بالحجارة وزجاجات المولوتوف، فضلا عن غلق الطرق، وهو ما تكرر خلال الأشهر الأخيرة، إذ سجلت المدينة المقدسة عدة حوادث من ذات الفئة»، وهي الحوادث التي عادت الصحيفة لتصفها بـ«الإرهاب البارد». القناة العاشرة الإسرائيلية، وفي تقرير لها عن تزايد معدلات الأعمال التي ينفذها فلسطينيون ضد قوات الاحتلال بالقدس المحتلة، ذكرت أن هذه الأعمال «زادت 8 أضعاف خلال الشهرين الماضيين»، مشيرةً إلى أن «انتفاضة هادئة» قد اندلعت بالمدينة. وقال التقرير إن «هذه الانتفاضة يمكن تلمسها في إطلاق قناصة فلسطينيين الرصاص تجاه مستوطنة (بسجات زئيف) بالقدس الشرقية، وإلقاء الزجاجات الحارقة على المنازل في حي الثوري (أبو طور)، وإلقاء الحجارة على عربات القطارات.. وأن هذه المظاهر وغيرها باتت جزءاً من الحياة اليومية في القدس». التقرير الذي اعتمد على معطيات «الشاباك» قال إنه «خلال شهر مارس 2014، تم تنفيذ عمليات وصفها بـ«الإرهابية» في المدينة، بينما وصل عدد هذا النوع من العمليات إلى 7 في أبريل، وفى مايو ويونيو سجلت 22 عملية ضد المستوطنين وقوات الاحتلال، في حين بلغت العمليات معدلًا قياسياً في يوليو وأغسطس حيث وصلت إلى 152 عملية». ولفت التقرير إلى أن آخر هذه الحوادث، وقع قبل أيام «في محطة وقود بالحي الفرنسي القريب من الجامعة العبرية، عندما حاول عشرات الملثمين الفلسطينيين إضرام النار في المحطة ما أدى لإلحاق ضرر كبير بها». ومنذ بداية يوليو الماضي، وقع -بحسب تقرير نشر في الصحف العبرية– «نحو 90 هجوماً على محطة القطارات وحدها، بما في ذلك إلقاء الزجاجات الحارقة والحجارة، حيث تم إيقاف أكثر من ثلث القطارات. وتسارعت وتيرة هذه الهجمات منذ مطلع أغسطس، عندما دهس بلدوزر يقوده فلسطيني أتوبيس نقل عام، ما أفضى إلى مقتل مستوطن واستشهاد منفذ العملية». وعلى صعيد متمم، وفي مقال حمل عنوان «انتفاضة الأطفال»، كتب «ناحوم برنياع» يقول: «تجري منذ شهرين ونصف في أحياء التماس في القدس وفي الجيوب اليهودية في شرقي المدينة انتفاضة صغيرة، هي انتفاضة الأولاد. ولو كنا في أيام عادية لاستولى هذا الحدث المستمر على برنامج العمل اليومي لكن ليس في هذا الصيف لأن المواجهات القاسية في القدس مرت تحت الرادار بسبب الحرب في الجنوب، وبسبب العدد القليل المفاجئ من المصابين، ولأنها لم تصل إلى الأحياء اليهودية غربي المدينة». ويضيف الكاتب: «تشير الأرقام إلى مقدار عنف يذكر بالانتفاضتين. فقد اعتقل 755 رجلًا عربياً طوال هذه الفترة. وأطلق رجال الشرطة أكثر من 7 آلاف رصاصة إسفنجية، وهي ذخيرة مخصصة لمكافحة الإخلال بالنظام. وقتل بالرصاص الإسفنجي. واستعملت الشرطة ما لا يقل عن 90 طناً من المواد النتنة». السؤال المطروح هو: لماذا القدس دون غيرها من مدن الضفة الغربية؟! البعض يرى أن السلطة الوطنية الفلسطينية (أو جهة ما) هي مَن يقف وراء هذه الأحداث باعتبارها جزءاً من المخطط المرسوم لمواجهة إسرائيل، لما للقدس من مكانة ليس فلسطينياً فحسب، بل عربياً وإسلامياً كذلك. فاندلاع «شرارة الانتفاضة» من القدس، لتعم لاحقا جميع الأراضي الفلسطينية، قد تكون هذه المرة أعنف من سابقتيها، يأتي نظراً للتدهور الخطير في الأوضاع السائدة في الأراضي الفلسطينية في ظل انسداد الآفاق أمام الفلسطينيين. وفي مقال افتتاحي تحت عنوان «انتفاضة هادئة: خطة أبي مازن للدولة»، أشارت «يديعوت أحرونوت» إلى أن السلطة الفلسطينية تبذل جهوداً مركزة لزيادة عزلة إسرائيل في الساحة الدولية. لذلك فهي تنوي استخدام معارضة المجتمع الدولي المبدئية والقانونية الجارفة للاستيطان في الضفة الغربية لنزع شرعية الاستيطان. وتابعت الصحيفة أنه «من جهة ثانية تقوم السلطة الفلسطينية بتفعيل انتفاضة سلمية بهدف وضع مطالب الفلسطينيين بشكل منهجي في مركز الأجندة الإعلامية والدولية». وتشير الصحيفة إلى أن «المقصود من الانتفاضة السلمية هو القيام بعشرات الأعمال الاحتجاجية بدون اللجوء إلى العنف، مثل إقامة معسكرات في مناطق (ج)، وتنظيم مظاهرات قرب مواقع مثل بلعين، والقيام برشق الحجارة، وما إلى ذلك». أما البعض الآخر فيرى أن عدم امتداد «السلطة الفلسطينية» إلى القدس المحتلة وانعدام وجود عناصر الأمن الفلسطينية، سهّل تحرك الشباب المقدسي وجعله ينتفض على الأوضاع السائدة في مدينته. ويفاقم الوضع ما نعرفه من تهويد للمدينة، مما خلق حالة من الغضب والاحتقان الشديدين لدى قطاعات واسعة من المواطنين، خصوصاً الشبان، تم التعبير عنها في المواجهات العنيفة وغير المسبوقة التي تشهدها المدينة المقدسة، منذ استشهاد الطفل أبو خضير بصورة بشعة، إذ ارتفعت وتيرتها مع مشاهد القتل والدماء التي سفكت في قطاع غزة. وفي هذا يقول قائد الشرطة الإسرائيلية في القدس المحتلة (يوسي فراينتي): «كان قتل أبو خضير هو الحدث التأسيسي، وجرى الإخلال بالنظام بمقدار لم تعرفه القدس منذ سنين، وقد بدأ في شعفاط برمي رجال الشرطة بشحنات متفجرة أنبوبية وبإطلاق الألعاب النارية بتسديد مباشر، وفي غضون يومين انتشرت الأحداث في كل أحياء شرقي المدينة». ويضيف: «لقد أخرجت كل المنظمات الفلسطينية رجالها إلى الشوارع، من فتح إلى حماس والجهاد الإسلامي. وكانت مهمة الشرطة أن تمنع الأحداث من الوصول إلى غرب المدينة وأن تمنع إغلاق شوارع رئيسية». ويختم: «يحجم العرب عن الشراء من أحياء يهودية، ويتلقى سائقو سيارات أجرة عرب يدخلون أحياء يهودية بسياراتهم ضربات قاتلة، ويحجم اليهود عن المجيء بسياراتهم لإصلاحها في حي عربي أو عن التنزه في البلدة القديمة، فالمدينة منقسمة بسبب الكراهية والخوف». فهل هو «الغضب الساطع آت»؟ وهل تبقى القدس وحيدة تنظر بعيون الحسرة إلى مدن الضفة الغربية الأخرى؟!