كلما وقع حادث إرهابي في أي مكان بمصر تساءل الناس: متى ينتهي القتل والتفجير والتدمير؟ ومتى يندحر الإرهابيون إلى غير رجعة؟ والإجابة تتطلب أن نعود قليلاً إلى التاريخ لنعرف ما وقع من إرهاب على مدار العقود الفائتة، وتحديداً منذ أن انزلقت جماعة «الإخوان» إلى ارتكاب أعمال عنف بعد سنوات من دخولها العمل السياسي خارجة عن مسارها المعلن ابتداء أو لحظة انطلاقها زاعمة بأنها جماعة دعوية تنشغل بتربية المنتمين إليها على مبادئ الإسلام وتعاليمه، وتواجه الإرساليات التبشيرية التي انتعشت في مصر مع مطلع القرن العشرين. وفي ركاب «الإخوان» ومعهم وبهم، نظراً لأن كل التجمعات والتنظيمات والجماعات والفرق السياسية التي اتخذت من الإسلام أيديولوجية لها قد خرجت من عباءة جماعة حسن البنا، شهدت مصر خمس موجات إرهابية يمكن تناولها في النقاط التالية: 1 ـ موجة الأربعينيات: التي كان من أبرز أحداثها اغتيال القاضي الخازندار بعد أن أصدر حكماً ضد أعضاء بجماعة «الإخوان»، واغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي، والاعتداء على الكاتب الكبير الأستاذ عباس محمود العقاد بعد مقال وصف فيه أعضاء الجماعة بـ«الخوان» واتهمهم باعتناق الماسونية. وبعد أحداث عنف أخرى متفرقة انتهى الأمر باغتيال البنا في فبراير 1949، وهناك من يمعن النظر فيما جرى بعد ثورة 30 يونيو من حرائق، ويفكر في تهديدات «الإخوان» المستمرة بـ«حرق مصر» منذ انتهاء الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الماضية ويستنتج أن «الإخوان» ربما يكونون هم من ارتكبوا حادث «حريق القاهرة» في يناير 1952، وهي مسألة تحتاج إلى مزيد من التفكير والتدقيق، وإن كان الاحتمال وارداً. 2 ـ موجة الخمسينيات والسيتنيات: وقامت بها جماعة «الإخوان» في صراعها مع النظام السياسي الذي نشأ عقب ثورة يوليو 1952، حيث تحالف «الإخوان» معه في البداية وشجعوه على التخلص من الأحزاب السياسية، ثم اصطدموا به حين أرادوا أن يحولوا حركة «الضباط الأحرار» إلى مجرد عنصر دفع لمشروع «الإخوان». وأبرز أحداث هذه الموجة هي محاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر في المنشية 1954، وارتكاب أعمال عنف في 1965 انتهت باعتقال خلية يقودها سيد قطب، حيث أعدم هو وبعض من معه. وقد كان مرشد «الإخوان» الحالي عضواً بهذه الخلية، وهناك اعترافات له بذلك. 3 ـ موجة السبعينيات: وقامت بها تجمعات متطرفة صغيرة مثل جماعة «الفنية العسكرية» التي خططت للانقلاب على الحكم، و«جماعة المسلمين» المعروفة باسم «التكفير والهجرة»، وجناح من «حزب التحرير الإسلامي»، وظهرت خلال هذا العقد «الجماعة الإسلامية»، واستخدمها السادات في التضييق على معارضيه اليساريين فروعوا طلاب الجامعات وأرهبوهم، وانتعش تنظيم «الجهاد»، وانتهت هذه الموجة باغتيال السادات في 6 أكتوبر 1981، بعد أن انقلب السحر على الساحر. 4 ـ موجة الثمانينيات والتسعينيات: وكانت بالأساس من فعل «الجماعة الإسلامية» وبقايا تنظيم «الجهاد»، وقد بدأت عام 1988 وتخللتها محاولة اغتيال رئيس الوزراء عاطف صدقي ووزاء وكُتاب، وتم بالفعل اغتيال رئيس مجلس الشعب رفعت المحجوب والكاتب فرج فودة ومحاولة قتل نجيب محفوظ، وقتل مئات السياح والآلاف من المواطنين ورجال الشرطة في مواجهة بين الأمن والمتطرفين، وانتهت بحادث الأقصر 1997، الذي بعده بدأت «الجماعة الإسلامية» تعرض مبادرة وقف العنف، التي قبلتها الدولة وأخرجت قيادات الجماعة من السجون، ليرتد أغلبهم على المراجعات عقب ثورة يناير، ثم ينضمون إلى «الإخوان» في ممارسة العنف عقب ثورة 30 يونيو. 5 ـ الموجة الحالية: بدأت أثناء حكم مرسي بقتل جنود في سيناء، ومحاصرة المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامي وحرق مقر حزب «الوفد» ومدخل البناية التي بها جريدة «الوطن»، واستمرت بعد إسقاطه بعمليات إرهابية متعاقبة نعيشها حالياً، تختلف عما جرى في أنها الأكثر «عولمية» بمعنى مشاركة أفراد وتنظيمات من خارج مصر فيها، ولاسيما في سيناء، وأكثر عنفاً، لأنها عرفت أشكالاً جديدة لم تكن متبعة من قبل مثل «العربات المفخخة»، وتسعى خلف هدف أكثر تحديداً بعد أن ذاقت جماعة «الإخوان» طعم السلطة، وأصبح أفرادها أكثر تمرداً، متخلين عن حذرهم التاريخي، وإيمانهم بـ«التقية» أو التحايل التكتيكي طويل النفس. وظني أن هذه الموجة ستأخذ وقتاً كسابقاتها، ولكنها مثلها أيضاً ستنتهي بأصحابها إلى فشل ذريع وخسران مبين، ولاسيما أن الإرهابيين هذه المرة لا يواجهون السلطة أو الدولة بمفردها وإنما يواجهون المجتمع أيضاً، أو يقصدون السلطة بسوء في وقت يلتف أغلب الشعب حولها، ليس عن رضوخ أو تبعية وإلحاق كما يحاول «الإخوان» أن يصوروا وإنما لشعور المصريين بالخطر على الدولة، وخاصة في ظل متابعتهم لما يجري في سوريا والعراق واليمن وليبيا. وعلاوة على ذلك فإن هذه الموجة لا تقف عند حد استهداف الشرطة والمسؤولين السياسيين بل تمتد إلى الجيش الذي كان بعيداً نسبياً عن الموجات السابقة، ولم يكن مطروحاً كبنك أهداف للإرهابيين إلا نادراً. وهذا الأمر يصعّب الأمر على الإرهابيين نظراً لما يتمتع به الجيش من منزلة في نفوس المصريين، وخاصة أن قوامه الرئيسي من بين المجندين المدنيين من أبناء المصريين، عمالاً وفلاحين وموظفين وتجاراً... الخ، وهذا يجعل، من دون شك، التنظيمات الإرهابية في مواجهة مع كافة المجتمع المصري، نظراً لأنه لا توجد أسرة ولا عائلة ليس لها مجند في الجيش أو ضابط أو صف ضابط.. وهكذا. وهذه المعطيات تجعل نهاية هذه الموجة الإرهابية في مصر معروفة ومكشوفة، وانكسارها واندحارها على نصال المجتمع المصري والدولة بمؤسساتها أمر مفروغ منه، ولكنها لا تعني أن هذه الموجة ستنتهي سريعاً، أو بلا ثمن، وهي مسألة بات المصريون مدركين لها ومستعدين لتحمل تبعاتها، ومؤمنين بأن الثمن الذي يدفعونه وسيدفعونه أقل بكثير من ذلك الذي كان سيترتب على الدخول في حرب أهلية لو فشلت ثورة 30 يونيو.