ما هو الأفضل للاسكتلنديين؟ البقاء ضمن المملكة المتحدة أم الانفصال؟ طُرح هذا السؤال بقوة أثناء حملات الاستفتاء، وبالأخص من قبل «أليكس سالموند» زعيم «الحزب القومي»، والذي استقال مباشرة بعد فشل استفتاء الانفصال. من ينتمي إلى دولة اتحادية، كدولة الإمارات يعي جيداً ما يعنيه الاتحاد من قوة وخير للمجتمع وقدرات اقتصادية تتيح للجميع حياة كريمة. تلك الجوانب الإيجابية كانت حاضرة في ذهن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس الدولة طيب الله ثراه، والذي بذل جهوداً كبيرة لجمع إمارات الخليج في دولة اتحادية أثبتت الأيام حكمة مؤسسها. لقد كان الحزب «القومي الأسكتلندي» يروج لسنوات طويلة ما مفاده أن 80% من النفط والغاز في بريطانيا يقع في الأراضي الأسكتلندية، وأن الانفصال سيتيح تسخير هذه الثروة للتنمية ورفع مستويات السكان المعيشية، إلا أن شعباً متعلماً جيداً ومثقفاً، كالشعب الأسكتلندي لا يمكن أن ينجرف للعواطف والتجاذبات القومية والطائفية. صحيح أن 80% من الثروة النفطية موجودة في أسكتلندا، إلا أن هذه الثروة ناضبة لا محالة، وإذا أمكن تحقيق مكاسب مؤقتة، فإن المصالح الاقتصادية على المدى البعيد تميل إلى البقاء ضمن المملكة المتحدة على اعتبار أن الاقتصاد الحقيقي والمنتج مرتبط ارتباطاً وثيقاً ببقية مكونات المملكة، فـ«بنك أوف اسكتلند» على سبيل المثال يدير90% من أنشطته خارج اسكتلندا، وهو هدد بالانتقال إلى الخارج في حالة الموافقة على الانفصال، كما أن 1.2 تريليون دولار من الأنشطة المالية غير محلية، في حين تعتمد أسكتلندا على القطاع الزراعي والصيد البحري، باستثناء النفط، وهذه أنشطة تعتمد في تسويقها على السوق البريطانية بصورة أساسية، علما بأن الأنشطة الرئيسية للاقتصاد المحلي مرتبطة ومتكاملة مع الاقتصاد البريطاني القوي، الذي يعتبر واحداً من أفضل الاقتصادات العالمية، بما في ذلك العملة البريطانية، التي تعتبر بدورها أكثر عملة عالمية مستقرة. هذه كلها عوامل كان يمكن أن يفقدها الاقتصاد الأسكتلندي، والذي سيقفز به «أليكس سالمون» إلى المجهول ويفقده الكثير من الفرص الاستثمارية وآلاف فرص العمل واختناقات تسويقية والبحث عن عملة بديلة، أي أن الاقتصاد الأسكتلندي سيفقد أسسه الاقتصادية القوية وذات الأبعاد المستقبلية دون أن تعوضه عن ذلك عائدات النفط والغاز. هذه الحقائق أدركها الاسكتلنديون وهم يتوجهون لصناديق الاستفتاء واضعين مصالحهم الاقتصادية ومستقبل أبنائهم أمام أعينهم ومستبعدين عواطفهم التي لا مكان لها لدى شعب راقٍ ويتمتع بحس عملي، وبالأخص كبار السن، حيث استطاع الحزب «القومي» استقطاب أعداد كبيرة من الشباب المتحمس وغير المدرك للاهمية الاقتصادية لوجود المملكة المتحدة التي تتمتع بفرص استثمارية وقدرة على استقطاب استثمارات اجنبية كبيرة ويفضها الكثير من المستثمرين حول العالم. الجانب الايجابي في الاستفتاء يتعلق بوعود لندن بمنح أسكتلندا وويلز وإيرلندا المزيد من الصلاحيات، وهو ما سيخفف من حدة الدعوات الانفصالية ويقطع الطريق أمامها ويتيح دوراً أكبر للمؤسسات المحلية في نطاق الاتحاد. لقد كادت بريطانيا والغرب بشكل عام أن يشرب من الكأس المر نفسه الذي أذاقه للعديد من الشعوب التي استعمرها وقسمها إلى دويلات قبل خروجه من منطلق سياسة «فرق تسد»، وبالتالي، فإن تذوق مرارة الانفصال - الذي لم يحصل لحسن الحظ – يتطلب أن يراجع الغرب، ومن ضمنه بريطانيا مواقفه السابقة ويعيد النظر في العديد من سياساته في المنطقة العربية والتي تعاني من انقسامات خطيرة. فهناك دول عريقة، كالعراق وسوريا وليبيا واليمن معرضة للانقسام والتفكك، حيث تروج وسائل الإعلام الغربية لخرائط وتقسيمات جديدة لا نعرف عنها سوى انها صادرة ومسربة عن مصادر غربية معروفة، حيث لا تستثني هذه التقسيمات للأسف منطقة الخليج العربي التي لولا امداداتها من النفط الرخيص لما تمكن الغرب من إعادة بناء اقتصاده بعد الحرب العالمية الثانية.