واجهت إدارة الرئيس أوباما «الديمقراطية» معركة شرسة وهي تسعى لحشد المشرّعين في الكونجرس من الحزبين الرئيسيين في أميركا -ديمقراطيين وجمهوريين- خلف مشروع أوباما لإشراك ما أسمته الجماعات السورية المعتدلة في الحرب الدولية ضد «داعش». وقد حصلت الإدارة الأميركية على موافقة المجلس على الميزانية التي طلبتها لمساعدة الجماعات السورية المعتدلة بالتدريب على القتال، ومدها بالأسلحة التي تحتاجها، وهو هذا على رغم النقاش الساخن في المجلس وفي أجهزة الإعلام الأميركية حول القضية.. وكان من بين المعارضين لخطة الإدارة نحو سوريا بعض الشيوخ والنواب الديمقراطيين إلى جانب قلة من الجمهوريين. إن الحجّة المنطقية والسؤال المحرج التي أشهرها المعارضون في وجه الإدارة الأميركية هي تلك المتعلقة بالضمانات بأن لا تنقلب هذه الجماعات المصنفة معتدلة ضد الولايات المتحدة في المستقبل، وألا تحاربها بأسلحتها وأموالها هي نفسها! مستشهدين بوقائع وتجارب الحرب في أفغانستان والعراق.. وعلى رغم أن أوباما قد كرر القول إن الولايات المتحدة لن ترسل قواتها للاشتراك في حرب برية ضد الإرهابيين الذين يشكلون خطراً مؤكداً الآن وفي المستقبل على الأمن الوطني والمصالح الأميركية.. إلا أن المعارضين لخطته السورية اعتمدوا هم أيضاً على تصريح رئيس الهيئة المشتركة لقيادة القوات الأميركية أمام مجلس الشيوخ الذي قال فيه إجابة على سؤال بأن من المحتمل أن تطورات الحرب قد تستدعي إنزال قوات برية في العراق وسوريا! ولعل أكثر الحجج وجاهة هنا ما أعرب عنه كثير من المحللين والمعارضين بقولهم إن الأمثل هو أن يجري تنسيق الأدوار بين الدول التي تجمعت ضمن الحلف الدولي الذي سعت لتكوينه الإدارة الأميركية -ونجحت في بنائه إلى درجة كبيرة- وأن تتولى قوات عربية من دول الحلف مهمة الحرب البرية.. فهم مع موافقتهم على أهمية ومسؤولية بلادهم في قيادة الحرب ضد «داعش»، إلا أن شعبهم قد سئم من الحروب الشرق أوسطية، ويشككون في جدية التزام الدول الأخرى بالمساهمة في حرب برية. أما أوباما في خطابه المتميز الذي وجهه الأسبوع الماضي للشعب الأميركي والمشرعين الأميركيين فقد كان واضحاً ومثل الخطاب تطوراً مهمّاً في العقلية والاستراتيجية الأميركية نحو عالمنا هذا المنكوب بـ«داعش» وأشباه «داعش».. فقد قال موجهاً خطابه لشعوبنا إن الولايات المتحدة لا يمكن أن تحارب بالوكالة عنا أعداء ديننا وعقيدتنا وتنجح وحدها في هذه المهمة.. فتلك مهمة المسلمين التاريخية، في المقام الأول.. مهمة الدفاع عن حاضرهم ومستقبل أمتهم ووطنهم.. وهو محق في ذلك دون شك.. فالحرب الفكرية والحرب الفعلية ضد تلك الجماعات الشيطانية التي خطفت تاريخنا وعقيدتنا وألحقت بهما تشويهاً لم يستطعه أشد أعداء الإسلام وارتكبت من جرائم القتل الوحشي والسبي والاغتصاب ونهب الأموال وتدمير العمران هي حزبنا نحن المسلمين ضد التطرف والعنف وهي «الفريضة الغائبة» الحقيقية التي تجاهلناها طوال العقود الأربعة الماضية، وبخاصة تجاهلها قادة الرأي والفكر في معظم الحالات ربما عن خوف أن تطالهم ذراع الإرهابيين الطويلة كما حدث لمفكرين عظام، أو عن كسل فكري وخمول، مع أن الجبهة الفكرية والشرعية لا تقل أهمية عن جبهات المواجهة الأخرى.. وهي جبهة لها أهمية خاصة في بلاد المهجر التي استوطنها كثير من المسلمين عامة والعرب خاصة -مسلمين ومسيحيين منذ منتصف القرن العشرين.. ومن بين صفوفهم برز مديرو جامعات محترمة وأساتذة ومعلمون وكتاب وشعراء ومهندسون كبار.. وفي بلد ككندا مثلاً هناك رأي عام مستنير بتفهم قضايانا الحقيقية ويهبُّ دائماً لمساندتنا ومشاركتنا في الدفاع عن الحق الضائع. أما نحن فمشكلتنا كانت -ولا تزال- أن نتعلم جيداً بعد أهمية العمل الجماعي والانخراط في صفوف الشعوب التي أصبحنا من بين شركائها في الوطن، مثلما نحن جميعاً شركاء في مهمة حفظ استقرار وسلام العالم. إن مبادرة الإدارة الأميركية وسعي وزير الخارجية الأميركي لتجميع الحلف الدولي ضد «داعش» واجتماع الدول العربية والإقليمية وما صدر عنه من بيانات ومواقف واستعداد للعمل الجماعي كلها خطوات جيدة وفي تقديري أنها ستقود إلى تعاون فعال ومهم ويتوقع مراقبون كثيرون أن الحلف سيصبح حلفاً أقوى، إن صدر له قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة أعمالها هذه الأيام. والحال أن الوعي بهذا الخطر الداهم على الإنسانية يزداد يوماً بعد يوم في بلادنا وأيضاً على مستوى العالم.. والتاريخ يثبت أن النصر في النهاية حليف الأمم كلما تحدت لتدافع عن حقها في الحياة الكريمة والاستقرار والتعايش والتسامح والسلام.