مع كل دقة قلب يُضخ الدم عبر الشرايين إلى بقية أعضاء وأجهزة الجسم تحت مستوى من الضغط يعرف بضغط الدم الطبيعي. ونتيجة لأسباب عدة قد يرتفع هذا الضغط إلى مستويات غير طبيعية، إن كانت مستمرة ودائمة، يعتبر الشخص حينها مصاباً بمرض ارتفاع ضغط الدم (Hypertension). وهي الحالة المرَضية التي تحمل في طياتها عواقب وخيمة، ربما كان من أهمها ارتفاع احتمالات الإصابة بأمراض القلب والشرايين، مثل الذبحة الصدرية، والسكتة الدماغية، ومن ثم الوفاة المبكرة. وبسبب كون عدد كبير من المصابين، لا يدركون أساساً إصابتهم بارتفاع ضغط الدم، أصبح يطلق على هذا المرض لقب «القاتل الصامت». ويعتبر مرض ارتفاع ضغط الدم من الاضطرابات الصحية واسعة الانتشار، في الدول النامية والفقيرة، والصناعية والغنية، على حد سواء، وإن كانت معدلات الانتشار تتفاوت بشكل كبير بين قارة وأخرى، وبين دولة وأخرى. حيث يصيب المرض مثلاً، مجرد 3,4 في المئة من الرجال في قرى وريف الهند، لترتفع هذه النسبة إلى 69 في المئة بين الرجال في بولندا. وبوجه عام، يصيب ارتفاع ضغط الدم ما بين 30% إلى 45% من الرجال والنساء من سكان الدول الأوروبية، حسب تقديرات عام 2013. ومن المنظور العالمي، وحسب آخر تقديرات في عام 2000، يصيب ارتفاع ضغط الدم حوالي مليار شخص، أو ما يعادل 25 في المئة من أفراد الجنس البشري البالغين حينها. وبالنظر إلى عدد البشر الحالي، وبالاعتماد على النسبة السابقة، يمكن التقدير بأن عدد المصابين بارتفاع ضغط الدم حالياً من البالغين، يقارب 1,25 مليار شخص بالغ. وخلاصة هذه الأرقام والإحصائيات، أننا أمام مشكلة صحية، تؤدي إلى عدد كبير من الوفيات. وحسب التفكير الطبي المنطقي، وقبل الشروع في العلاج، لابد من البحث في الأسباب، ومن ثم تفعيل إجراءات الوقاية ضد الإصابة من الأساس. ولكننا سرعان ما نواجه بحقيقة أن الأسباب التي تؤدي للإصابة بارتفاع ضغط الدم، هي أسباب معقدة ومتشابكة، تنقسم في مجملها إلى قسم الأسباب الوراثية، أو ما يعرف بالاستعداد الوراثي، وقسم ثانٍ هو قسم العوامل البيئية. وحتى هذا القسم الأخير، أي العوامل البيئية، تتنوع وتتعدد هي الأخرى، لتشمل مثلاً التقدم في العمر، وزيادة الوزن، وقلة النشاط البدني، وعدم ممارسة الرياضة، والإصابة بالمتلازمة الأيضية (Metabolic Syndrome)، التي تتضمن زيادة مقاومة الجسم للأنسولين، وداء السكري، وزيادة محيط الخصر (الكرش)، واضطرابات مستويات الدهون في الدم. ومن بين الأسباب البيئية تلك سنخص بالحديث هنا أسهل تلك الأسباب تجنباً، ألا وهو خفض المتناول من ملح الطعام. فبداية، يجب أن ندرك أن زيادة المتناول من عنصر الصوديوم -أحد العنصرين اللذين يكونان معاً ملح الطعام- وبمقدار أكثر من 2 جرام في اليوم الواحد، أو ما يعادل 5 جرامات من الملح، مع انخفاض المتناول يومياً من عنصر البوتاسيوم، وبمقدار أقل من 3,5 جرام، يعتبر من عوامل الخطر الأساسية خلف ارتفاع ضغط الدم، ومن ثم الذبحة الصدرية، والسكتة الدماغية، والوفاة المبكرة. وعلى رغم أن ملح الطعام يعتبر المصدر الرئيسي للصوديوم، إلا أن هذا العنصر الكيميائي يتواجد أيضاً في شكل «جلوتومات الصوديوم»، التي تستخدم كتوابل أو إضافات للطعام في العديد من الدول، دون أن يكون للطعام الناتج طعم مالح. بمعنى أنه ليس من الضروري أن يكون الطعام مضافاً إليه الملح، حتى يدخل الصوديوم إلى أجسادنا، حيث يمكن أن يكون الصوديوم موجوداً في أشكال أخرى. وسواء كان الصوديوم في شكل ملح طعام، أو غيره من الأشكال، تُظهر الدراسات أن الغالبية العظمى منا يتناولون ما بين 9 إلى 12 جراماً من الملح يومياً، وهو ما يشكل ضعف الحد الأقصى الموصى به في اليوم الواحد. وبالنظر إلى أن خفض المتناول اليومي من الملح إلى أقل من 5 جرامات للبالغين، يمكنه خفض ضغط الدم، وخفض احتمالات الإصابة بأمراض القلب والشرايين، مثل الذبحة الصدرية والسكتة الدماغية، اتفقت الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية على خفض مقدار ما يتناوله أفراد الجنس البشري من ملح الطعام، بنسبة 30 في المئة، بحلول عام 2050. وذلك بناء على أن خفض المتناول من الملح، يعتبر أفضل، وأسهل، وأقل الطرق تكلفة، التي يمكن للشعوب والمجتمعات اتباعها، لرفع مستوى الصحة العامة للأفراد. حيث يقدر أن تفعيل الإجراءات الفعالة القادرة على خفض المتناول من الملح يومياً، سيضيف عاماً كاملاً من الحياة الصحية، بدون أمراض وعلل، لأعمار أفراد المجتمع كافة، وبتكلفة تقل عن الدخل السنوي، أو الناتج القومي لكل شخص. والغريب والمثير فعلاً، أنه في الوقت الذي تنفق فيه المليارات على أبحاث نقل وزراعة الأعضاء، والخلايا الجذعية أو خلايا المنشأ، والتقنيات الطبية الحديثة الأخرى، يمكن تجنب العديد من الأمراض والعلل التي يتوقع أن توظف فيها تلك التقنيات، وأن نتجنب 2,5 مليون وفاة سنوياً، بمجرد خفض مقدار الاستهلاك العالمي من ملح الطعام، إلى الحد الأقصى الموصى به، وهو 5 جرامات فقط في اليوم الواحد.