لم تعد حركات الإرهاب ذات طابعٍ واحدٍ ولا مذهبٍ وحيد، بل لقد أصبحت متعددة الألوان الطائفية يجمعها الإرهاب وتفرقها الطائفة. وباللغة الطائفية فقد أصبح لدينا إرهابٌ سني وإرهاب شيعي، إنهما يمتحان من بئر واحدة ذات مياه طائفيةٍ آسنة. غالب الإرهاب المعاصر هو من صناعة ورعاية دولة إقليمية معادية للعرب هي إيران، لقد رعت الإرهاب السُني ودعمته وبنت معه علاقاتٍ طويلةٍ، ولم تزل كما صنعت الإرهاب الشيعي على عينها حتى أصبحت منتجاته تعيث في الدول العربية صغرت تلك المنتجات أم كبرت. مع التردد الأميركي في بناء التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» في العراق والشام تجاه مشاركة الجمهورية الإسلامية في إيران من عدمها والذي أبانت عنه التصريحات المتناقضة من عدد من كبار المسؤولين الأميركيين، فإن إيران لم تخسر كل رهاناتها بعد في العراق والشام، وإنْ كانت المرحلة القادمة تشي بعودةٍ قويةٍ للدول العربية إلى العراق وبخاصةٍ المملكة العربية السعودية ومصر ودول الخليج تلك التي تدعم استقرار الدولة العراقية واستقلالها الكامل عن أي تدخلاتٍ خارجية. المقصود بالتدخلات الخارجية هي التدخلات الإيرانية والتغلغل الإيراني في كافة مفاصل الدولة العراقية، والذي كان يتمّ عبر رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وهو الذي أخضع مؤسسات الدولة العراقية لرغبات الجمهورية الإيرانية وصرف ما لا يحصى من أموال الشعب العراقي لتمويل عمليات إيران التخريبية في المنطقة من لبنان إلى سوريا ومن العراق إلى اليمن. مع الشعور الدائم بعدم قدرة أوباما على الدخول في حربٍ فضلاً عن الانتصار فيها، وهو ما صرح به كثيرٌ من السياسيين والمراقبين حول العالم وداخل أميركا نفسها، إلا أن الحرب على الإرهاب في العراق والشام يجب ألا تقتصر على تنظيم «داعش» فحسب، بل يجب أن تطال كل التنظيمات الإرهابية في البلدين، وكما يجب أن يتمّ ضرب تنظيم «داعش» الإرهابي يجب ضرب «حزب الله» اللبناني الإرهابي، ويجب ألا يسلم من تلك الحرب تنظيم «جبهة النصرة» ولا مليشيات الفضل بن العباس، وبقية التنظيمات الإرهابية السُنية والشيعية هناك. غيوم الحرب تتلبّد وأجراسها تقرع في منطقةٍ سادتها الفوضى منذ سنواتٍ ثلاثٍ وفتحت فيها أبواب الجحيم على الشعوب وخرجت كل الانتماءات المتخلفة من طائفيةٍ ومذهبيةٍ وعرقيةٍ على السطح، وصار القتل على الهوية منهجاً سائداً والتنظيمات الإرهابية تقوم على تلك الولاءات القديمة وتقتل كل مخالفيها، وتحت شعارات «الربيع» الزائف كان الناس يقتلون لأسبابٍ وانتماءاتٍ لا يد لهم فيها وعاشوا عليها قروناً طويلةً وتفجرت البشاعة بكل توحشها وصار تهديد الإرهاب الجديد لدول العالم والغربية منها تحديداً واقعاً ملموساً وهو ما حذرت منه قلةٌ من الكتاب في العالم العربي قبل سنتين وأكثر ولكن أحداً لم يكن يقرأ. إن الحرب الدولية ضد تنظيم «داعش» حرب مستحقة وواجب تأخر الشروع فيه، والانضمام للتحالف الدولي ضده والقضاء عليه ضرورة وجودٍ لا مجرد واجبٍ، ويمكن معرفة داعمي التنظيم وحلفائه من التصريحات المعلنة لجهاتٍ متعددةٍ في المنطقة، فمن رفضوا التحالف هم إيران وجماعة «الإخوان المسلمين» وتركيا، وثمة احتمال بعودة تركيا للدخول في التحالف بعد تحرير رهائنها الذين يقاربون الخمسين رهينةً من يد تنظيم «داعش»، الذي أخذهم رهائن حين اقتحامه مدينة الموصل. لمعرفة مواقف جماعة «الإخوان المسلمين» وأتباعها في الخليج، فإنهم قد صمتوا طويلاً عن تنظيم «داعش» وإنْ ساندوه في البدايات ثم تأرجحوا بين الدعم والصمت، وارتبكوا حين أعلن التنظيم خلافةً إسلاميةً بطريقةٍ مثيرةٍ للسخرية وخليفةً للمسلمين يبدو كممثلٍ رخيصٍ في مسلسلٍ تاريخيٍ، وعندئذٍ ارتبك «الإخوان» تجاه التنظيم الذي أراد سرقة حلم الجماعة ولكنهم لم يهاجموه إلا بعد أن أصبح يشكل تهديداً عليهم ويسعى لاستهداف بعض رموزهم، ولكن هذا الهجوم «الإخواني» لم يدم طويلاً، فبعد الإعلان عن تحالفٍ دوليٍ تقوده دولٌ غربيةٌ كبرى على رأسها أميركا ودولٌ إسلاميةٌ عديدةٌ على رأسها المملكة العربية السعودية لضرب التنظيم، عاد الإخوان وأتباعهم لمهاجمة هذا التحالف وتركوا مهاجمة «داعش» ولم يجرؤوا على تأييده. جماعة «الإخوان المسلمين» و«إخوان الخليج» كانوا على الدوام يقفون ضد أي تحالفٍ دوليٍ يخدم دول الخليج ويحمي مصالحها وليست لديهم مشكلة مع تحالفٍ دوليٍ يخدم مصالح الجماعة وحلفاءها، ومثال هذا الأخير هو ضرب حلف «الناتو» لقوات معمر القذافي 2011، والأمثلة للأول ثلاثة هي: أولاً: 1990 حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت من غزو صدام حسين حيث وقفت جماعة الإخوان المسلمين مع صدام حسين ضد السعودية وكل دول الخليج، وخرج من صفوف الجماعة بعض المخلصين ممن تأثروا بخطاب الجماعة من مواطني دول الخليج وبقي الأكثرون يذرون الرماد في العيون ويشقون الوحدة الوطنية ويحذرون من حربٍ صليبية جديدة بلغة دينية أو استعمارٍ جديد بلغة سياسية. وفشلت رهاناتهم وتلقت السجون قياداتهم ورموزهم لأن الخيانة مدانة وهي في وقت الحروب أكثر إدانةً. ثانياً: 2001 وما بعد تفجيرات 11 سبتمبر في أميركا، حيث شنّت جماعة الإخوان المسلمين وأتباعها في الخليج حملةً كبرى ضد السعودية لتحميلها المسؤولية الكاملة عن تلك الهجمات والدفاع عن الجماعة بوصفها تمثل الإسلام المعتدل ولكن حينها استنكرت الجماعة التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي تمثله حينذاك جماعة «طالبان» الإرهابية وتنظيم «القاعدة» وتكرر الحديث عن الحرب الصليبية والاستعمار. ثالثاً: 2014 والتحالف الدولي لضرب تنظيم «داعش»، حيث يعاد المشهد نفسه وبكثافة أكبر، وبخاصةٍ مع وصولهم لشرائح اجتماعية واسعةٍ، ولكن ما يؤسف له حقاً هو أن قدرتهم على اختراق شرائح ثقافية يفترض فيها الوعي باتت أكبر، ويبقى الرهان أن بعض هذه الشرائح سيعيد ترتيب أوراقه ويستعيد وعيه من جديد كما جرى مع ما كان يعرف بالربيع العربي. أخيراً، لابد للتحالف الدولي كي يضمن نجاحه أن يحقق أربعة أهداف: أولاً، القضاء على التنظيمات الإرهابية من كل المذاهب والتوجهات. ثانياً، حل القضية السورية والتخلص من بشار الأسد واستعادة الدولة العراقية. ثالثاً، تطوير هذه الحرب لمواجهة جذور الإرهاب لدى جماعة الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي. رابعاً، ملاحقة التنظيمات الإرهابية الأخرى في المنطقة كالجماعات الإرهابية في ليبيا ومالي وجماعة الحوثي في اليمن.