تبدو سياسات الولايات المتحدة تجاه كوبا وكأنها سياسات محيرة وعفا عليها الزمن. فالحظر المفروض على الدولة يعتبر من مخلفات الحرب الباردة والذي توقف منذ فترة طويلة عن القيام بالغرض المقصود منه. وقد تم اعتماد هذا الحظر بعد أن حاول الاتحاد السوفييتي إقامة قواعد نووية على الجزيرة الكوبية، ما جعل القوتين العظميين تقتربان من حافة حرب نووية. ولكن ما الغرض من هذا الحظر الآن؟ علينا أن نتساءل بعد مرور نصف قرن لماذا يستمر هذا الحظر؟ وهناك أزمة إنسانية تستحوذ على الجزيرة. قد لا تقرأ عن هذه الأزمة في الولايات المتحدة، لكن وسائل الإعلام الخارجية تذكرها بانتظام. وفي الأسبوع الماضي، ذكرت صحيفة «الجارديان» أن العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة على كوبا قد كلفت الدولة 3.9 مليار دولار قيمة التجارة الخارجية على مدار العام الماضي، ما ساعد على زيادة التقديرات الإجمالية للخسائر الاقتصادية إلى نحو 116.8 مليار دولار خلال الخمس وخمسين عاما الماضية، وفقا لما ذكرته كوبا مؤخراً. وأضافت «الجارديان» أن الأمم المتحدة حثت على إنهاء الحصار الأميركي وغيره من العقوبات التجارية المفروضة ضد الحكومة الشيوعية في كوبا. وفي كل عام يتم تمرير قرار في هذا الشأن – كما هو الحال خلال الـ22 سنة الماضية - بتأييد ساحق. وفي العام الماضي كان التصويت بنسبة 188 إلى 2، حيث اعترضت دولتان فقط على هذا القرار وهما الولايات المتحدة وإسرائيل. إنني لن أترشح لتولي منصب في فلوريدا، وليس لديّ أقارب في كوبا يحاولون الفرار من الفقر واليأس هناك. وليس لي أي شأن بهذا النزاع، بخلاف أنني أشعر بالغضب لأن بلادي تتسبب في خسائر اقتصادية هائلة لدولة أخرى دون أي سبب واضح. كما أننا لدينا معاملات تجارية مع أنظمة تتصف بصفات بغيضة. لذلك، لا أفهم لماذا يستمر فرض هذا الحظر، يجب أن ينتهي في الحال. وعلى الأقل، يجب أن يكون جزءاً من نقاش سياسي حول أسباب استمراره. في وقت ما، كان هذا الحظر يخدم غرضاً مفيداً – وهو منع روسيا من الحصول على موقع للإطلاق النووي بمسافة تقل مائة ميل عن شواطئنا. ولكن بعد مرور خمسة عقود، وبعد مرور ثلاثة عقود تقريبا على انهيار جدار برلين، علينا أن نعترف الآن أن هذا الحظر لم يعد يخدم الغرض الأساسي منه. وقد تم غزو العراق عام 2003 تحت ذريعة تدمير أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها صدام حسين، والتي كانت غير موجودة ونشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط. هذا المنطق لم يتم تفسيره بشكل كامل، ولا حتى الموافقة عليه من قبل الشعب الأميركي. ولكن بدلا من محاولة زرع الديمقراطية في أرض وعرة وغير مضيافة على الجانب الآخر من العالم باستخدام القوة العسكرية، ربما ينبغي بالأحرى أن نفكر في جلب القليل من الديمقراطية إلى ساحتنا عبر وسائل أخرى. الدبلوماسية وتطبيع العلاقات مع كوبا ستقطعان شوطاً كبيرا نحو تحقيق هذا الغرض. وقد يمنحنا ذلك أرضية أخلاقية عالية في الاستجابة للسياسات القمعية لحقوق الإنسان في كوبا. فالحكم الشيوعي في كوبا مذنب لكونه واحداً من أسوأ سجلات القمع السياسي في العالم. فالنظام يمارس الرقابة، ويحد من الحق في التجمع، ويقيد بصورة كبيرة الحرية الدينية. كما أن حريات المرأة والأقليات تكاد تكون معدومة، وتعذيب السجناء يعتبر أمراً شائعاً. وتدين الأمم المتحدة انتهاكات حقوق الإنسان التي تقوم بها هافانا كل عام، دون تأثير يذكر. أما الإجراء الصغير الذي يعد تطوراً فهو أن النظام القمعي لم يعد يحظر من الناحية القانونية المثليين جنسياً، كما كان الأمر منذ تولي الحزب الشيوعي السلطة في عام 1959. تطبيع العلاقات مع كوبا قد يوفر فوائد عديدة بالنسبة لكل من الولايات المتحدة وكوبا. وتتمثل هذه الفوائد في إنهاء العقوبات الاقتصادية المعوقة، الأمر الذي يتيح لهذه الدولة الفقيرة أن ترفع من مستوى المعيشة لشعبها. كما أن هناك العديد من الشركات الأميركية التي تعمل في مجال التطوير العقاري والزراعة والصناعات التحويلية والطاقة والسياحة والتي ستستفيد جميعها من إنهاء هذا الحصار. كما أن إنهاء الحصار سيسمح للولايات المتحدة بأن تأخذ المبادرة الدبلوماسية لحل المشكلة المتفاقمة منذ فترة طويلة. من الصعب أن نتصور أن سياسة، تم وضعها في حقبة مظلمة من الخوف النووي، ما زالت مستمرة في جمود، وبالطبع، فإن المشكلة الكبرى تتمثل في المتشددين والمنتقمين الذين يرفضون الاعتراف بالحقائق الجديدة. ينبغي أن ننتقل من هذه المخلفات التي تعود لحقبة ماضية توقفت منذ فترة طويلة عن خدمة الأغراض المفيدة منها. ومن ناحية أخرى، أعلن «لوران فابيوس»، وزير الخارجية الفرنسي، مطلع هذا الشهر أنه يعتزم زيارة كوبا قريبا في إطار بدء اتفاقية ثنائية مع الاتحاد الأوروبي من شأنها دفع عجلة الاقتصاد والاستثمار في الدولة الشيوعية وحماية حقوق الإنسان فيها. كانت هافانا وافقت رسمياً على البدء بمفاوضات للتوصل إلى اتفاقية ثنائية مع الاتحاد الأوروبي بعد الإصلاحات القتصادية والاجتماعية التي أقرها الرئيس «راؤول كاسترو». وأعربت كوبا عن رغبتها في تغيير «الموقف المشترك» التي تتخذه أوروبا التي وضعت شروطاً في ديسمبر 1996 بأن يرتبط التعاون الاقتصادي بتحسين أوضاع حقوق الإنسان وإرساء مبادئ الديمقراطية. ----------------- باري ريذولتز كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية ------------------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»