قبل نحو أسبوعين، أعلن أيمن الظواهري عن تأسيس فرع جديد لتنظيمه الإرهابي في شبه القارة الهندية. وصرح عبر شريط فيديو مسجّل بأن الجناح الجديد للقاعدة «سوف يوسع نطاق العمليات الجهادية ضد الأعداء»، وأشار إلى أنه سيمتد حتى ميانمار وبنجلادش والهند. وأطلق على هذا الجناح الجديد اسم «قاعدة الجهاد» ووصفه بأنه يأتي في هذا الظرف الدقيق باعتباره «ثمرة الجهود الطيبة المباركة لأكثر من سنتين لتوحيد الفصائل الجهادية ضمن كيان واحد»، وقال إنه يهدف إلى «تحطيم الحدود المصطنعة» التي تفصل السكان المسلمين في منطقة شرق آسيا بعضهم عن بعض. ولقد قرع هذا الإعلان أجراس الإنذار في المنطقة. وعمدت الهند إلى رفع حالة التأهب في كل ولاياتها تحسّباً لأي هجوم إرهابي محتمل. ولكن، وفي حقيقة الأمر، لم يكن لتنظيم «القاعدة» أي وجود على الإطلاق في الهند. ولم يكن في وسعه القيام بعمل كهذا حتى لو كان قادته الحقيقيون لا يزالون على قيد الحياة. وعندما وصلت نشاطاته الإرهابية إلى الذرى في أفغانستان وباكستان وبعض الدول الأخرى، ظلت الهند هادئة تنعم بالسلام. وفي شهر يوليو من العام الماضي أيضاً، ظهر شريط فيديو محمول على الموقع الإلكتروني للتنظيم يهدف إلى استنهاض المشاعر العدائية في الهند، ولكنه فشل بشكل مخزٍ في اجتذاب حتى مسلم هندي واحد إلى صفوفه. الهند تضمّ أكبر تجمع للمسلمين في العالم بعد إندونيسيا، وعُرف عن المسلمين الهنود ميلهم إلى الاعتدال وعيش الحياة الهانئة المسالمة مع المجتمعات ذات المشارب الثقافية والعقائدية المختلفة التي يتعايشون معها. وبقي هؤلاء ملتزمين بمتابعة قضاياهم الحياتية الأساسية وعلى رأسها الكفاح المرير لكسر شوكة الفقر والفاقة، والمساهمة في ترقية الواقع الاقتصادي ومحارية الأمّية المتفشية في مجتمعهم. وحتى الآن، لم نسمع عن أن هندياً مسلماً واحداً قد وجد متورطاً في القتال الدائر في أفغانستان أو الصومال أو اليمن أو ليبيا أو سوريا أو العراق أو أي مكان آخر. ولا رأينا مسلماً هندياً واحداً قطّ، سجيناً في خليج جوانتانامو. وبالطبع، هذا لا يعني بأن الهند تخلو من المنظمات الإرهابية المتطرفة أو حتى الأفراد المنعزلين من الذين ارتدوا عباءة التطرف الإسلامي داخل المجتمع الهندي. وكما هي حال بقية المجتمعات، يمكن الجزم بوجود مسلمين راديكاليين في المجتمع المسلم الهندي أيضاً، إلا أنهم يفضلون حصر الأمور التي يعملون من أجلها داخل مجتمعهم المحلي بدلاً من البحث عن التعاون والتنسيق مع العصابات المتطرفة أو المنظمات الإرهابية الخارجية. ولا يبدو بأي حال من الأحوال أن أيمن الظواهري يشكل في نظر المسلمين الهنود شخصية محببة ولا حتى معروفة على نطاق واسع. وليس ثمّة من شك في أن محاولته لتغيير هذا الواقع الذي يتمسك به الهنود المسلمون ستبوء بالفشل والخذلان. وفيما سجل تنظيم «القاعدة» فشله الذريع للانتشار ومدّ جذوره في شرق آسيا، إلا أنه يتشارك نفس الأيديولوجيات والأفكار الهدامة مع بقية التنظيمات المنبثقة عنه في تلك المنطقة مثل تنظيم «لاشكر طيبة» الذي يوجد مقره الرئيسي في باكستان والمسؤول عن الهجمات الإرهابية في مومباي، وفصيل «هاركاتول جهاد الإسلامي» في بنجلادش. وأما فيما يتعلق بالوقت الراهن، فإن لتنظيم «القاعدة» وجوداً في أفغانستان وباكستان، ويعمل بنشاط لافت عبر فصائل تابعة له في العديد من دول أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا. ومن المرجّح أن يكون قادته متوارين عن الأنظار ضمن كهوف جبلية تنتشر في منطقة وزيرستان التي تقع على الحدود بين أفغانستان وباكستان، ويبدو أنهم يتمتعون بحماية هائلة. وتأتي محاولتهم للتركيز على شبه القارة الهندية برمتها في إطار مخاوفهم الأمنية من انكشاف مكان وجودهم وتأمين مدى أوسع لتحركاتهم. ويجب التذكير هنا بأن الحدود الهندية مع باكستان من جهة ولاية كشمير المتنازع عليها بينهما، هي منطقة شبه مفتوحة. وفي كل مرة يتسلل إليها عناصر من تنظيم «القاعدة» عبر الحدود، تزداد حدّة التوتر بين الجارتين اللدودتين الهند وباكستان. ثم إن أي نشاط جديد لتنظيم «القاعدة» في المنطقة سيحمل في طياته أخطاراً على وجود باكستان ذاتها كدولة ذات سيادة. ونحن نرى الآن بأم أعيننا كيف نجح تنظيم «طالبان» باكستان المنبثق عن «القاعدة» في تقسيم ذلك البلد الإسلامي إلى مجموعة من الأقوام المتناحرة من النواحي الإثنية والقبلية واللغوية والمذهبية. وأي نشاط إجرامي جديد لتنظيم «القاعدة» لا يمكنه أن يفضي إلى شيء أكثر من زيادة التحديات والمشاكل الأمنية التي ستحول باكستان في نهاية المطاف إلى دولة فاشلة. ومن الجدير بنا أن ننتبه إلى أن إعلان تنظيم «القاعدة» عن تأسيس فرعه الجديد في شبه القارة الهندية، يأتي غداة صعود حزب «بهاراتيا جاناتا» القومي الهندوسي إلى السلطة بعد أن استأثر بغالبية كبيرة من مقاعد البرلمان الهندي. كما أن انتخابات المجلس التشريعي ينتظر تنظيمها هذا العام في العديد من الولايات الهندية بما فيها ولاية كشمير التي تنطوي على حساسية سياسية ودينية خاصة. ولعل من ثالثة الأثافي أن يعمد الظواهري إلى تسمية الشيخ «عاصم عمر» قائداً لتنظيم «القاعدة الجديد في شبه الجزيرة الهندية»، وهو معروف في حركة «طالبان باكستان» كإرهابي من الطراز الممتاز شارك في نشاطات وحشية متعددة في قلب المدن الباكستانية، وروّع الكثير من المدنيين الأبرياء. وهذه الدعوة «الظواهرية» المشؤومة لتوحيد الفصائل الجهادية المسلمة في شرق آسيا أدت إلى تعريض المسلمين الهنود لضغوط وأخطار لا يعلم بها إلا الله. إلا أن المسلمين الهنود يبدو أنهم مقتنعون كل الاقتناع بأنهم سيتمتعون بالحريات والحقوق المدنية الكاملة كبقية معتنقي الأديان الأخرى في الهند إنْ كانوا من السيخ أو البوذيين أو الهندوس أو المسيحيين. كما أن التعلق بالإرث الحضاري والثقافي للهند والذي يضرب جذوره عميقاً في التاريخ القديم، والذي ارتبط بمفاهيم التسامح والتعايش والسلم الأهلي، هو السبيل الأمثل لتقدمهم وتطورهم ورخاء بلدهم والتمتع بحرياتهم الدينية.