تعد ظاهرة ضعف الإقبال على التخصصات العلمية والمهنية بين الطلاب وخصوصاً في مرحلة التعليم الثانوي من التحديات التي تواجه دولة الإمارات العربية المتحدة في مسيرتها التنموية، فوفقاً لإحصاءات «وزارة التربية والتعليم» لا تتعدى نسبة الالتحاق بالقسم العلمي 35% من إجمالي عدد الطلبة المواطنين، في حين يلتحق الباقون وهم 65% من الطلبة بالقسم الأدبي. وفي المقابل تزداد احتياجات الإمارات من الكوادر البشرية المواطنة المؤهلة للعمل في التخصصات والوظائف العلمية الدقيقة، فمؤسسة الإمارات للطاقة النووية على سبيل المثال تحتاج إلى نحو ألف من الكفاءات المهنية والفنية لتشغيل المحطات النووية السلمية بحلول عام 2020، كما تشير تقديرات هيئة المعرفة والتنمية البشرية بدبي، إلى أن الإمارات بحاجة إلى عشرة آلاف مهندس مواطن من مختلف التخصصات الهندسية، في ظل الطفرة العمرانية التي تشهدها، والخطط والمشروعات المستقبلية والرؤى الاستراتيجية الوطنية وعلى رأسها رؤية الإمارات 2021. وتوضح الإحصاءات كذلك أن المؤسسات الطبية على مستوى الدولة تحتاج إلى كوادر مواطنة في التخصصات الطبية النادرة فيما المتوافر منها الآن في هذه التخصصات قليل. والإقبال على القسم الأدبي دون العلمي في المرحلة الثانوية، بجانب نتائجه السلبية تلك، ينجم عنه عدد من الإشكاليات الأخرى، منها الضغط على الجامعات غير القادرة على استيعاب العدد المتزايد من الطلاب في الكليات الأدبية، إذ يفرز هذا الواقع الحاجة إلى إنشاء أقسام وبرامج تعليمية تتناسب مع الأعداد المتزايدة للطلاب، في مقابل إغلاق الكليات العلمية التي لا تحظى بدرجة الإقبال نفسها، بالرغم من الحاجة إلى هذه التخصصات العلمية، وهو ما يعني تخريج كفاءات في تخصصات تعاني تشبع سوق العمل منها، في مقابل قصور شديد في تخصصات أخرى، ما يضعف فرص خريجي القسم الأدبي في الحصول على وظائف بعد تخرجهم، وهو ما يمثل تحدياً آخر على الدولة لإيجاد وظائف جديدة تتناسب مع مؤهلاتهم، عدا عن كونه يمثل هدراً للنفقات في إعداد هؤلاء الخريجين خلال سنوات الدراسة. وفي ظل هذه المؤشرات، يأتي مشروع «وزارة التربية والتعليم» لدمج القسمين العلمي والأدبي في المرحلة الثانوية، كأحد الحلول المطروحة حالياً لمعالجة إشكالية ضعف إقبال الطلبة المواطنين على الالتحاق بالقسم العلمي. وكان المجلس الوزاري للخدمات قد ناقش مؤخراً المذكرة المقدمة من وزارة التربية والتعليم حول إلغاء التشعيب (التخصص) في الحلقة الثالثة في المدارس الاتحادية، والتي جاءت حصيلة دراسة مبينة على آراء ومواقف الفئات المعنية بالعملية التربوية من طلبة وتربويين، والاطلاع على أفضل الممارسات العالمية من التجارب التعليمية الناجحة كالتجربتين الفنلندية والكورية في تطوير العملية التعليمية بما ينسجم مع الاحتياجات الوطنية. ومن المهم إيجاد استراتيجية وطنية بالتعاون بين المؤسسات المختلفة وفي مقدمتها المؤسسات التعليمية وجهات العمل، لإنجاح مهمة مؤسسات التعليم العالي في إعداد كوادر مهنية تتلاءم مع الأجندة الوطنية الداعية إلى توطين الوظائف في العديد من التخصصات والاعتماد على العنصر المواطن لتطوير سوق العمل بالدولة، وتتناسب مع متطلبات هذه السوق، في ضوء المشروعات الحالية والمستقبلية، التي تفرض تخصصات معينة مثل علوم الكمبيوتر والهندسة والطب، وعلوم الفضاء والطاقة النووية، في إطار توجهات الدولة نحو تحقيق التنمية المستدامة ومواكبة العالم المتقدم.