بقي الكلام عن سُنة وشيعة في بطون الكتب الصفراء إلى أن جاءت الثورة الخمينية، وأخذ هذا التصنيف يكبر حادثة بعد أخرى إلى أن أصبح واقعاً، لدرجة أن رئيس الولايات المتحدة تحدث مؤخراً عن شيء اسمه دول «سُنية»، وربما تعرف الآن ربّات البيوت في اليابان والبرازيل أننا سُنة وشيعة! هذا الحديث شرٌ، لكن لابد منه، خصوصاً أن أبناء مكون واحد يشعرون بأن العالم يفتح عينيه ويحرك يديه أمام التطرف المحسوب عليهم، حتى قبل ظهور «الدواعش» والهبّة الأممية ضدهم، لكنه يبقى ساكناً أمام التنظيمات المحسوبة على المكون الآخر، وهو الشعور الذي يثير غضبهم، والذي لا يستفيد منه سوى المتطرفين على الجانبين. وهنا محاولة لتوضيح الفرق الجوهري بين نظام التطرف ذي الخلفية السُنية، ونظام التطرف ذي الخلفية الشيعية، ويمكن القول إن التطرف السُني يعمل كشركة مملوكة لأشخاص كثر، لكل واحد منهم حصته، وبالتالي رؤيته وصوته. بينما التطرف الشيعي أشبه بمؤسسة فردية تملكها جهة واحدة، ولا رؤية ولا صوت إلا رؤيتها وصوتها. لذلك، نرى أسماء كثيرة في شركة التطرف السُنية: «القاعدة» بفروعها المختلفة، و«داعش»، و«النصرة»، و«أحرار الشام»، و«جيش المجاهدين»، و«فتح الإسلام»، و«جند الشام، و«أنصار الشريعة»، و«التوحيد والجهاد»، و«بوكو حرام»، وجماعة أبو سياف، و«حركة الشباب المجاهدين».. إلخ. ونلاحظ أيضاً أن معظم هذه التنظيمات تكفّر وتقاتل بعضها بعضاً، وكل واحدة تريد هدم الشركة وتصفية بقية الشركاء والتحول مؤسسةً فردية. وباعتبار أن التطرف السني يعمل كأنه شركة، فلا تلقى تنظيماته (الشركاء) دعماً من خارج الشركة، أعني دعماً رسمياً من الدول السُنية، وحتى ولو وُجد بعض الدعم المالي أو الإعلامي لبعضها، فغالباً ما يتم عبر أشخاص، هم شركاء صغار أساساً أو من جهات شعبية أو عبر استغلال ثغرات أمنية أو قانونية، وفي أسوأ الفرضيات، إذا كنا نتحدث عن تدفق المقاتلين وتسللهم إلى البؤر الملتهبة، فبطريقة «دعه يذهب إلى الجحيم». أعني أن هذا التطرف لا يأتي ضمن استراتيجيات هذه الدول، ولا أحد من زعماء تلك التنظيمات يتصل هاتفياً برئيس أي بلد سُني ويسأله: ما الخطوة التالية؟ خصوصاً أن هذه التنظيمات تكفّر جميع الأنظمة القائمة، وتقدم نفسها كبديل شرعي عنها، بل هناك شكوك قوية حول علاقات تربط بين بعض هذه التنظيمات وبين مالكة مؤسسة التطرف الشيعي! ورغم أننا نسمع عن أحزاب وكتائب وعصائب شيعية، فإنه لا حاجة للتدليل على أن هذه التنظيمات موظّفة ومجرد أدوات لدى مؤسسة التطرف الشيعي المملوكة لجهة محددة، تدعم هذه التنظيمات بالمال والسلاح والتدريب، وتوفر لها التغطية السياسية؛ فـ«حزب الله» اللبناني، و«عصائب أهل الحق» العراقية، يقاتلان معاً الجماعات الثائرة على نظام بشار الأسد الذي تدعمه الدولة الإيرانية بكل قوة، وزعيم «حزب الله» يقدم نفسه على أنه الوكيل الشرعي في لبنان للولي الفقيه في إيران، وباعتبار أن الوكيل ملزم بما يحدده له موكله، فليس من العجيب أن يتصل نصرالله بموكله ويسأل: ما الخطوة التالية؟ فهم هذا الفارق الجوهري بين شركة الإرهاب ومؤسسته، يؤسس لفهم آخر أهم، هو فهم الأسباب التي تجعل العالم يكيل مسألة التطرف بمكيالين، كما يُردد في أوساط السُنة، وهو الشعور الذي يؤدي إلى إشعال غضبهم، والذي يؤدي بدوره إلى تغذية التطرف السُني وزيادة شعبية تنظيماته، ويتسبب أيضاً في تآكل شرعية الدول السُنية التي تسعى لمحاصرة التطرف وتجفيف منابعه. وهذا الفهم الآخر يحتاج إلى حديث آخر.