عقب اجتماع مغلق بينهما، أعلن رئيس الآلية الأفريقية ثامبو امبيكي عن تلقيه وعداً من الرئيس البشير بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، بمن فيهم رئيس «حزب المؤتمر السوداني» إبراهيم الشيخ، في خطوة لتهيئة الأجواء للحوار الوطني. وأوضح امبيكي أنه بحث عدداً من مطلوبات إنجاح الحوار، بينها الحريات السياسية وحرية التعبير، وأنه أطلع البشير على الخطوات التي تقوم الآلية الأفريقية في العاصمة الأثيوبية مع لجنة (7+6) والمجموعات المسلحة والاتفاق المبرم بين اللجنة ومجموعة إعلان باريس والذي وصفه بأنه خطوة في ملف الحوار الوطني. وإلى ذلك قال امبيكي إنه بحث مع الرئيس سير الاتفاقات الموقعة بين السودان ودولة جنوب السودان، مشدداً على ضرورة تحريك اللجان الفنية المشتركة، بما يحقق التوالي والتدرج في تطبيق الاتفاقات. وأشار رئيس الآلية الأفريقية إلى أنه سيقدم تقريره لمجلس الأمن والسلم الأفريقي حول ملف العلاقات بين البلدين وسير الاتفاقات الموقعة، وسيحيط المجلس علماً بتطورات الحوار الوطني والمساعي المبذولة لإنجاحه، كما سيقدم تقريره لمجلس الأمن الدولي. وكان امبيكي قد جاء للخرطوم في زيارة قصيرة اجتمع خلالها مع الرئيس لأكثر من خمس ساعات، ثم خرج ليعلن للصحفيين «البشريات» التي وعده بها الرئيس. ويبدو أن البشير قد استمرأ فكرة إعلان (بشرياته) للسودانيين عن طريق زواره الأجانب، فقد حَمّل جيمي كارتر أخباراً سارة بشر بها السودانيين عقب لقائهما في مطلع هذا العام وكانت الأخبار هي دعوته للحوار القومي الشامل، وبقية القصة معروفة. المهم أن يلتزم الرئيس بما أسر به لـ«الوسيط الأفريقي المحترم»، وأن يملك الإرادة السياسية لتنفيذه من أجل الوطن المهدد ومن أجل عامة الشعب الذي يطحنه الغلاء وتهدده الأوبئة والأمراض. لو فكرت الحكومة وحزبها بصورة موضوعية، ولو قرأت بشكل جيد مئات التقارير الإقليمية والدولية الصادرة في الأشهر الأخيرة عن حالة الاقتصاد السوداني، وعن ارتفاع معدلات سوء التغذية والفقر، وارتفاع نسبة وفيات الأطفال دون سن الخامسة، وكذلك ارتفاع نسبة وفيات الأمهات أثناء الولادة، ناهيك عن الحرب المأساوية التي لا طائل من ورائها.. لو فكرت في هذا الحال الذي قادت سياساتها إليه، وانتهزت فرصة اتفاق أديس أبابا (4 سبتمبر) وقبلت بخارطة الطريق التي رسمها الاتفاق وبالبديل الديمقراطي كما رسمه تحالف قوى الإجماع الوطني.. فسيكون ذلك خطوة مهمة لإنجاح الحوار والوصول إلى حل شامل للأزمة السودانية. لكن في ظل غياب القناعة لدى الجماعة الحاكمة بأن طريق الحكم الشمولي والعنف وانتهاكات الحقوق السياسية والإنسانية، قد انتهى إلى غير رجعة، لن يحقق السودان أي تقدم أو تنمية. والسلطة الحاكمة تعلم جيداً أنها الآن في مأزق صعب هي مَن صنعته بسياساتها. فالحوار الذي دعت إليه وصل طريقاً مسدوداً وقُبر في مقابر «أحمد شرفي» بأم درمان، كما قال الصادق المهدي الذي وقع حزبه على إعلان باريس واتفاق أديس أبابا. أما «الحزب الاتحادي» فأعلن مؤخراً تأييده بيان أديس أبابا الذي وقع عليه ممثله في الحكومة وزير شؤون مجلس الوزراء أحمد سعد عمر. كما لحق بالمؤيدين لاتفاق أديس أبابا «حزب المؤتمر الشعبي» (الترابي). ولو تدبرت السلطة الحاكمة أمرها واستجابت لدعوات السلم والاتفاق القومي، لوفرت على الوطن دماءً وأموالاً تهدر بلا طائل.