كتبتُ في «الاتحاد» في الأسبوع الماضي مقالاً عن اعتراف الرئيس أوباما بأنه لا توجد لديه استراتيجية بعد لمواجهة وحصار وهزيمة «داعش»، التنظيم الذي أقصى «القاعدة» من تصدر المشهد الإرهابي. وقد أكد أوباما أنه لا يريد وضع العربة أمام الحصان. واليوم في الذكرى الثالثة عشرة لاعتداءات «القاعدة» في 11 سبتمبر 2001 وبعد 13 عاماً من حرب أميركا على الإرهاب -التي كلفتها تريليونيْ دولار وأكثر من 7000 عسكري قتيل و50000 جريح- تعلن أيضاً عن مواجهة أخرى وتنشئ تحالفاً للراغبين للمشاركة في حربها على التطرف الإسلامي الذي أصبحت واجهته الأخطر تنظيم «داعش» منذ رمضان الماضي حين احتل أراضي في العراق وسوريا وأعلن ما سماه «الخلافة»! وبالتالي فرّخت «القاعدة» وأنجبت تنظيمات أكثر تطرفاً امتدت من أفغانستان إلى العراق وسوريا واليمن إلى الصومال ومالي ونيجيريا! بل إنه قد أعلن في إحدى الولايات النيجيرية عن قيام «الخلافة» أيضاً على يد جماعة «بوكو حرام»! كما أعلن أيضاً أيمن الظواهري زعيم تنظيم «القاعدة» مطلع سبتمبر الجاري عن إنشاء فرع لـ«القاعدة» في القارة الهندية! وفي هذا الوقت يرى 47%من الأميركيين، بعد 13 عاماً من اعتداءات 11 سبتمبر، أنهم أقل أمناً مما كانوا عليه عند إعلان الحرب على الإرهاب! وهذا بحد ذاته يؤكد حصاد فشل استراتيجي في حرب لا يمكن أن تكسبها الولايات المتحدة دون تبني مقاربة شاملة، وكما ذكر الأمير سعود الفيصل بحضور وزير الخارجية الأميركي في جدة قبل أيام أن «أي تحرك لمحاربة الإرهاب لابد أن يصاحبه تحرك لمحاربته فكرياً». وأن الإرهابيين شوهوا صورة الإسلام.. ويقتلون باسم الدين والدين منهم براء. والحال أن خطاب أوباما حول الاستراتيجية جاء وسط تأييد شعبي كبير تجاوز 70%من الأميركيين ممن يؤيدون عملاً عسكرياً ضد «داعش» بعد ذبح صحفيين أميركيين في شهر أغسطس 2014، وكذلك اتصال أوباما بزعامات في المنطقة، واجتماعه مع قيادات الكونجرس، وكل هذا يدلل على الأولوية التي تعطيها الإدارة الأميركية لمواجهة «داعش». وقد برز ذلك أيضاً في زيارة وزير الخارجية الأميركي «جون كيري» للمنطقة واجتماعه مع نصف وزراء الخارجية العرب في جدة لبناء «تحالف عربي وإقليمي سني» من بلدان مجلس التعاون الستة ومصر والأردن والعراق ولبنان وتركيا. وقد أعلن أوباما استراتيجيته ومراحلها الأربع التي لا تتضمن تدخل قوات برية ولا مشاركة قوات أجنبية على الأرض، مع التركيز على العراق كأولوية من خلال شن هجمات وقصف جوي بشكل منظم لضرب مواقع «داعش» هناك، وستقوم الولايات المتحدة مع حلفائها بتسليح وتدريب القوات العراقية والمليشيات السنية للعمل كحرس وطني في مناطقها، وكذلك البشمركة الأكراد، والجيش الحر والمعارضة السورية المعتدلة، لمواجهة «داعش». ولاحقاً ستشن هجمات على مواقع «داعش» في سوريا، حيث رأس الأفعى كما وصفها أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، إذ يتعين قصفها إذا ما كانت هناك جدية في الاستراتيجية الأميركية الرامية لتدمير وهزيمة «داعش». لقد أكد أوباما أن خطر «داعش» لا يقتصر على سوريا والعراق بل تحول إلى تهديد عالمي، كما أشار «كيري» أيضاً في اجتماع جدة، إلى أن الحلفاء العرب سيلعبون دوراً قيادياً في تحالف الراغبين، وفي دعم الاستراتيجية ووقف وتجفيف منابع الإرهاب وتقديم الدعم اللوجستي والعسكري. وهذا ما ستتم مناقشته في اجتماع لدول التحالف في النصف الثاني من شهر سبتمبر برئاسة الولايات المتحدة، التي ترأس أيضاً مجلس الأمن لشهر سبتمبر الجاري، بحضور أوباما على هامش الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد برزت ردود أفعال وشكوك وتساؤلات حول الاستراتيجية الأميركية لمواجهة «داعش»، حيث يكمن الشيطان في التفاصيل، كما يقال. والسؤال: هل هذه الاستراتيجية قابلة للتطبيق؟ وهل هي أساساً استراتيجية أم خطة؟ وهي ما زالت، على كل حال، تفتقد الوضوح، وبحاجة إلى غطاء فكري، كما طالب بذلك وزير الخارجية السعودي، بمزج القوة العسكرية الخشنة والقوة الفكرية الناعمة لمواجهة خطر ثقافة التطرف والإرهاب الذي يتمدد ووصل إلى حد تجنيد 20 ألفاً و31,5 ألف حسب توقعات الاستخبارات الأميركية، منهم عدة آلاف من دول أوروبية، وأيضاً من الولايات المتحدة وكندا وحتى أستراليا، وكذلك من دول عربية وإسلامية. كما أن الاستراتيجية الأميركية تواجه معارضة من قوى إقليمية ودولية. وهناك حلف معاكس ومعادٍ لتحالف الراغبين الأميركي، تقوده روسيا، وبعضوية الصين وإيران وسوريا، والمليشيات الموالية للنظامين الإيراني والسوري، وهي أطراف تقول إنها تعارض التدخل من دون غطاء من مجلس الأمن. ومن الملفت، في هذا السياق، على وجه خاص انتقادات روسيا المتعلقة بقانونية وشرعية ضرب سوريا! كما تنتقد هذه الاستراتيجية أيضاً، وتشكك في فاعليتها في هزيمة «داعش»، قياداتٌ في الحزب «الجمهوري» في الولايات المتحدة نفسها، من ضمنهم رئيس مجلس النواب «جون بينر» الذي شكك في فرص نجاح استراتيجية أوباما، وكذلك النائب الجمهوري «ماكدورمت» -من ولاية واشنطن- الذي قال: «إنني قد شعرت بالإهانة من خطاب أوباما حول استراتيجيته في مواجهة داعش!». وتثار أيضاً أسئلة أخرى حول فرص نجاح حكومة وحدة وطنية في بغداد، وجدوى دعم وتأهيل وتسليح جيش مقسم طائفياً في العراق، وجيش سوري حر أُضعف وأنهك وتم تجاهله واستخدمت أميركا «الفيتو» ضد تزويده بالسلاح النوعي لتحقيق توازن قوى في المواجهة مع النظام السوري والمليشيات الموالية له.. وهو جيش يُقاتل قوات النظام السوري، والمليشيات الشيعية الموالية لإيران، ومقاتلي «داعش» في الوقت نفسه! وقد كان أوباما نفسه حذراً من التورط في أتون الحرب الأهلية في سوريا كطرف يمكن أن يعزز أو يقوي الأسد ويُضعف خصومه! ويُخشى أن تبدو الولايات المتحدة تقاتل المتطرفين السُّنة في سوريا والعراق، دون المتطرفين الشيعة! وتغيب إيران، اللاعب الحاضر الغائب، عن التحالف الإقليمي، على رغم إمساكها بالكثير من الأوراق، وما لديها من تأثير في مجريات الأحداث في العراق وسوريا معاً. وإذا لم تتعاون إيران وتعاملت بعقلية «البازار» يتعين شن هجمات على المليشيات الشيعية في العراق وسوريا أيضاً. لأن الحرب على الإرهاب يجب ألا تفرق بين المتطرفين السنة والمتطرفين الشيعة. وكما سبقت الإشارة، فإن هناك تحدياً داخلياً لاستراتيجية أوباما ما يثير المزيد من الشكوك حول فعاليتها وفرصها في هزيمة «داعش». وقد صرّح رئيس مجلس النواب الجمهوري «جون بونر» بعد يوم من اجتماعه بأوباما في البيت الأبيض مع قيادات الكونجرس للاطلاع على الاستراتيجية قائلاً: «يشكك الجمهوريون في قدرة خطط أوباما على تدمير داعش! ولم يتم اتخاذ قرارات لتفويض الإدارة الأميركية بتسليح المعارضة السورية المعتدلة.. ولا يزال النقاش حول هذا الأمر متواصلاً»! ومن اللافت هنا تنوع وتعدد الانتقادات والتساؤلات والاعتراض في الداخل من قبل الكونجرس على استراتيجية أوباما، وفي الخارج من طرف روسيا والصين كقوى كبرى، وإقليمياً من قبل إيران وسوريا في المنطقة، ورفض بريطانيا وتركيا قصف مواقع «داعش» في سوريا. وبالنظر إلى حدود الاندفاع لدى أوباما، المقاتل المتردد، وإذا كان جون كيري يقلل من حجم التحدي، مؤكداً أن أميركا ليست في حالة حرب بل هي فحسب في وضع مواجهة مع «داعش»، فإنه قد يكون من المفيد لحلفاء أميركا أن يكون لديهم الكثير من الأسئلة، وعليهم التأكد من الأرضية التي يقفون عليها قبل الانضمام إلى تحالف الراغبين الأميركي.. ضمن الحرب على «داعش» التي سيورثها أوباما لهيلاري كلينتون، أو لرئيس جمهوري في عام 2017! كما ورث أوباما نفسه حروب بوش المرهقة في العراق وأفغانستان!