تنتشر الفوضى في اليمن لتنذر بمخاطر مزيد من التهاوي لتلك الدولة العربية المهمة، فالحوثيون يزحفون ساعين لتقويض الدولة اليمنية، ويتحركون وفق مخطط متفق عليه سواء مع قوى إقليمية أو عالمية، والمراد بهذا التحرك الوصول إلى حالة الفوضى العارمة ليلحق اليمن بحال شقيقاته سواء في ليبيا أو العراق أوسوريا. وقد استقطبت الساحة اليمنية للأسف اهتمام بعض المنظمات الإرهابية مثل «القاعدة» التي توسعت وتفاقم خطرها هناك، ليتحول اليمن إلى بؤرة استقطاب لكل أنماط الإرهاب والمتطرفين ذوي السلوك الأحمق الذين ابتيلنا بهم في الأونة الأخيرة في أماكن كثيرة من المنطقة العربية. ومن الواضح أن محاولات الدولة اليمنية قد لا تكفي وحدها حيث إن المخطط ربما يتجاوز ما تحمله الدولة من مشاريع من شأنها أن تساعد في الخروج من الأزمة. ويقع اليمن ضمن الإقليم الخليجي إلا أن الاهتمام على مستوى مجلس التعاون ما يزال يحمل بعض التردد أحياناً تجاه الانخراط في مزيد من الاهتمام بما يجري في اليمن، مع أن دول الخليج العربي ليست بعيدة جغرافياً عن اضطرابات المشهد اليمني. فاليمن لديه حدود مشتركة مع الإقليم الخليجي، وهو يكتسي بالنسبة لنا أهمية كبيرة، والاستمرار في تجاهل أحداث اليمن يعتبر أحد مصادر الخطر المحدقة بالمنطقة الخليجية. إن الدولة اليمنية تعاني من متاعب ومصاعب اقتصادية، وتدهور اليمن يشكل أحد التحديات الجسيمة التي تواجه مجلس التعاون الخليجي، وقد يكون التردد لدى بعض دول الخليج العربي في انتشال اليمن تعبيراً عن عدم انسجام بعض السياسات الخليجية التي مازالت تعمل وفق آليات تقليدية لا تأخذ في الحسبان المتغيرات الدولية التي تتشكل حالياً في الحرب ضد «داعش»، والإرهاب الذي يجتاح العراق وسوريا.. وأصبح اليمن أيضاً من الدول التي تواجه تفاقم امتداد الإرهاب وخلاياه. والراهن أن التردد الخليجي يعبر عن غياب رؤى مسقبلية في التعامل مع التداعيات، ونعتقد أن اليمن مرشح لمزيد من الفشل، وقد يتحول إلى مركز استقطاب لـ«داعش» بعد خروجها من العراق، وهذا ما يشكل أحد أكبر التحديات الإقليمية. وقد لا يكون المطلوب في هذه المرحلة ضم اليمن إلى مجلس التعاون بقدرما هو مطلوب وضع آليات ورسم سياسات مشتركة تساعد اليمن على الخروج من الأزمة، والحد من التدخل الإقليمي في الشأن المحلي، أما انتهاج سياسة اللامبالاة فقد يغرق المنطقة في مزيد من التمزق والاضطرابات وخصوصاً أننا نتذكر المحاولات السابقة في البحرين التي كانت تهدف إلى زعزعة أمنها واستقرارها والتي انتهت بالفشل. ويبدو أن الفشل في البحرين أدى إلى التوجه نحو اليمن باعتباره دولة تعاني من الانقسامات القبلية وضعف السلطة المركزية. كما أن تنظيمات الإسلام السياسي تتمتع بقوة الانتشار والتنظيم في المشهد اليمني، وهي تستغل الظروف الاقتصادية في تثبيت مواقعها، وهذا ما يهدد الإقليم الخليجي بأكمله. ونعتقد أن السياق الإقليمي يدخل الآن مرحلة جديدة تشكل منعطفاً تاريخياً وخصوصاً أن بعضاً من ملامح الاضطرابات باتت واضحة في هدفها من حيث زعزعة استقرار هذا الإقليم.. وفي المقابل التحرك الخليجي المشترك ما يزال بعيداً عن فهم طبيعة المتغيرات الإقليمية والدولية في تشكلها الجديد، حيث يشن العالم الحرب الجديدة على «داعش» باعتبارها الخطر الأكبر الذي يهدد الجميع. والدول الخليجية معنية بالدرجة الأولى بوضع تصورات عملية تتسم بالجرأة لصد أية محاولات إيجاد أرضية لصراعات مخطط لها، يراد منها إضعاف بعض من دول الإقليم الخليجي.