في مقال جامع احتلّ 20 صفحة كاملة من مجلة «نيويوركر» ونشر في اليوم الأول من شهر سبتمبر الجاري، طرحت المحللة «كوني بروك» مدخلاً قالت فيه إن الأمر لا يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط، ولا يدور حول التحديات والمصاعب الراهنة التي يعاني منها سكان غزة، بل إنه يركّز بدلاً من ذلك على التساؤل عما إذا كانت منظمة «آيباك» التي جاء اسمها اختصاراً لعبارة تعني «لجنة العمل السياسي للوبي الإسرائيلي- الأميركي»، قد بدأت فعلاً تفقد قوة تأثيرها. ومن خلال البحث في هذا الموضوع، تكشف الكاتبة «بروك» عن بعض الحقائق الجديدة حول الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وقد كتبت «بروك» تقول إن نشطاء «آيباك» تنعّموا في السنوات الماضية بقوة نفوذهم الذي كان يزداد انتشاراً. ولكنّهم ارتكبوا خطأهم القاتل عندما أمعنوا في الضغط على رئيس الولايات المتحدة الذي يعتلي سدّة الحكم. وما لبث سحرهم أن انقلب عليهم عندما وجدوا أنفسهم وقد باتوا وجهاً لوجه في صراع مع أوباما. وعلى رغم أنهم كانوا يختلفون معه بشكل دائم حول القضايا المتعلقة بالأمن القومي، إلا أن مشروع القرار المتعلق بفرض حزمة جديدة من العقوبات على إيران، أقلق البيت الأبيض بعد أن شعر صنّاع القرار فيه بأن «آيباك» ستمارس ضغطها لتمرير المشروع في الكونجرس. ولكنّه وضع على الهامش عندما حذر أوباما الكونجرس في خطاب «حالة الاتحاد» من أنه سيستخدم حق النقض الرئاسي «الفيتو» لو عمد إلى إقرار المشروع. وكان هذا الحدث يمثل أقسى هزيمة لمنظمة «آيباك». وفيما يتعلق بأزمة غزة، كتبت «بروك» تقول: «لقد كانت هناك مشاهد من الدمار المرعب، ووقع المئات من الأطفال الفلسطينيين تحت القصف الجوي وقذائف الهاون... وسارعت الأمم المتحدة لإطلاق حملة لإدراج هذه الأعمال والممارسات ضمن لائحة جرائم الحرب». وحتى قبل أن يتفاقم الصراع هناك، لم تتأخر أيضاً حكومة الولايات المتحدة، التي تموّل المجهود الحربي الإسرائيلي، عن التعبير عن بالغ امتعاضها من نتنياهو. وقالت «بروك» في كلمة موجهة إلى فيليب جوردون منسق البيت الأبيض في الشرق الأوسط: «كيف يمكن لإسرائيل أن تطالب بالسلام في الوقت الذي لا تبدي فيه أية رغبة لتخطيط الحدود وإنهاء احتلالها لأراضي الفلسطينيين، ومنحهم الحق في إقامة دولة ذات سيادة وتضمن لهم الحق في الأمن والعيش الكريم؟». ومن قضية الفلسطينيين وحتى القضية الإيرانية، كان اللوبي الأميركي في «آيباك» قد انحاز إلى صف رئيس الوزراء الإسرائيلي بدلاً من الانحياز إلى صف رئيس الولايات المتحدة. وفي هذا السياق قال مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية للكاتبة «بروك» إن الموافقة على مشروع القرار المتعلق بالعقوبات الإضافية على إيران، كان من الممكن أن تفتح الطريق أمام تحكم «آيباك» في صياغة السياسة الخارجية الأميركية. وتشير «بروك» إلى أن منظمة «آيباك» لم تكن تتورع عن التجسس على الولايات المتحدة لصالح إسرائيل. وقد سبق أن تم اعتقال الجاسوسين «كيث وايزمن» و«ستيفن روزين» عام 2004، وكان هذا الأخير يشغل منصب المدير العام التنفيذي لمنظمة «آيباك»، في قضية تجسس. وقضى جزء مهم من اتفاقية الإفراج عنهما بين الحكومتين الأميركية والإسرائيلية، بموافقة الولايات المتحدة على ذلك بشرط أن يُسمح لها بالإفراج عن بعض الأموال المحتجزة للفلسطينيين. ونصح «وايزمن» بإرسال الأموال مباشرة إلى الرئيس الراحل ياسر عرفات مباشرة، إلا أن مسؤولي «آيباك» دعموا مشروع قرار في الكونجرس يقضي بالاحتفاظ بالأموال في الولايات المتحدة وعدم تحويلها للفلسطينيين وطالبوا بفتح تحقيق في الموضوع. وقالت «بروك» أيضاً إن المعارضين لاتفاقية أوسلو من اليمين المتطرف الإسرائيلي، بمن فيهم رئيس الوزراء الحالي نتنياهو، كانوا قد اقتنعوا بالفكرة التي تفيد بأن عليهم ألا يهاجموا الاتفاقيات الموقعة مع الفلسطينيين في العلن، وأن يقولوا في الخفاء ما يريدون. وتعلق «بروك» على ذلك بقولها: «كانت فكرتهم تكمن في تعطيل اتفاقية أوسلو تماماً». وهناك العديد من النقاط التي يجب طرحها والتي تثبت عدم مصداقية نتنياهو. ومنها أن فيلماً وثائقياً مسجلاً على موقع «يوتيوب» يؤكد بما لا يقبل الشك أن نتنياهو لعب دور المحرض الأساسي لإفشال اتفاقية أوسلو. وكان يفتخر بأنه قد نجح في خداع الرئيس السابق بيل كلينتون عدة مرات. وقد دأبت «آيباك» على الافتخار بقوة تأثيرها السياسي. وحتى الخطاب الاستعراضي الدعائي الذي تنشره لا يخفي هذه الحقيقة. وقد قال مسؤولوها جهاراً أثناء انعقاد مؤتمرها السياسي السنوي: «إن عدد أعضاء الكونجرس الذين يشاركون في مؤتمرنا يفوق عدد من يشارك منهم في أي مناسبة أخرى فيما عدا الجلسة المشتركة للكونجرس للاستماع إلى خطاب الرئيس حول وضع الأمة»! وبالعودة إلى تساؤل «بروك» في بداية مقالها حول ما إذا كانت «آيباك» تفقد نفوذها عقب الخلاف الذي نشب مع أوباما، يمكن القول إن من المبكر جداً الحديث عن فقد النفوذ بشكل كامل. كما أن أعضاء اللوبي التابعين لـ«آيباك» ما زالوا يتمتعون بالقدرة على اختراق معظم منافذ السلطة في الولايات المتحدة. ويكثر المدير التنفيذي السابق للمنظمة «ستيفن روزين» من الافتخار بأنه قادر على إخراج ورقة بيضاء من جيبه ودفع نواب الكونجرس للتوقيع عليها عندما يتعلق الأمر بطلب الموافقة على الإعلان عن المزيد من الدعم لدولة إسرائيل. ويبدو لي أن «بروك» أظهرت حساسية كبيرة في معالجتها للقضية الفلسطينية وخاصة عند وصفها لمشاهد الدمار الذي شهدته غزة بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية أثناء العدوان الأخير. ولا شك أن «آيباك» ما زالت منشغلة بشكل كبير في الترويج لأجندتها السياسية المشبوهة غير مكترثة بجولات الفشل التي شهدتها ولا بالمعارك التي خسرتها، وهذا برأيي دليل آخر على إفلاس رهان وعناد تلك المنظمة.