عشية الذكرى الثالثة عشرة لاعتداءات تنظيم «القاعدة» على عقر دار القوة الكبرى في العالم التي ضرب رمز قوتها الناعمة مركز التجارة العالمي في نيويورك، ورمز قوتها الصلبة مبنى البنتاغون في واشنطن، تبدو استراتيجية الولايات المتحدة في مواجهة مستمرة مع «القاعدة» والتنظيمات الإرهابية التي تنوعت وتمددت وخرجت من رحمها، وهي تنظيمات أكثر تطرفاً وخطراً من التنظيم الأم، كـ«جبهة النصرة» والأخطر تنظيم «داعش». وقد تمدد خطر التنظيمات الإرهابية من أفغانستان وباكستان إلى اليمن والعراق وسوريا، وامتد غرباً إلى الصومال ومالي، وصولاً إلى «بوكو حرام» في نيجيريا. وكل هذا يراكم سجل الفشل الأميركي في مواجهة الإرهاب، وهو فشل أورثه بوش الابن لأوباما الذي يعتمد في حربه على الإرهاب بشكل كبير على تحالفات غير متماسكة، وتبادل لمعلومات أمنية واستخبارية، هذا زيادة على استخدام طائرات من دون طيار.. وقد كان آخر مهامه ضرب مواقع «داعش» شمال العراق، ورصد تحركاتها في الرقة ودير الزور في سوريا، واستهداف رئيس تنظيم حركة الشباب في الصومال! وكذلك تخطط بريطانيا اليوم لضرب مقار «داعش» في العراق! حيث نجح التنظيم في استدراج الغرب لمواجهة واسعة فرضت تشكيل ائتلاف إقليمي ودولي، يضم تحالفاً مصلحياً يجمع الأضداد لمواجهة التطرف والإرهاب. ويسيطر تنظيم «داعش» الآن على ثلث العراق وسوريا، بما يعادل مساحة بريطانيا العظمى، ولديه إمكانيات ومصادر من منشآت ودخل نفطي، وهو يقاتل ثلاثة جيوش عربية في سوريا والعراق ولبنان. وأكثر من ذلك يستفز التنظيم أيضاً الغرب بقطع رؤوس الصحفيين، ويهدد بنقل الحرب إلى روسيا، وتحرير منطقة الشيشان وشمال القوفاز، والإطاحة ببوتين بسبب دعمه للنظام السوري. وعشية قمة حلف شمال الأطلسي «الناتو» في بريطانيا لمناقشة أخطار «داعش» على المنطقة والأمن الدولي، وكذلك دور روسيا في أوكرانيا، كتب أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، في صحيفة «التايمز» البريطانية، مقال رأي ناقداً ومهدداً لـ«داعش»، ولروسيا، مؤكدين أن «أسلوب داعش البربري لن يثنينا عن مواجهته ودحره. وسنكون أكثر تصميماً في الدفاع عن قيمنا.. لأن وجود عالم تملؤه الحريات يبقى ركناً أساسياً في كيفية البقاء آمنين». هذا مع تعهدٍ «ببناء قدرات دفاعية وإرسال القوات الخاصة، والاستثمار في خطط الدفاع الذكية، وتدعيم قدراتنا العسكرية لمواجهة الصراعات المحلية، والمشاركة في مهام أمنية وعسكرية مع شركائنا من جورجيا إلى الشرق الأوسط». ويسعى حلف «الناتو» للخروج بموقف موحد وينظر في إمكانية قيام الحلف بعمليات عسكرية في العراق، إذا ما طلبت منه الحكومة العراقية الدعم والإسناد. ولكن الصدمة الكبيرة كانت باعتراف أوباما بعدم وجود استراتيجية أميركية متكاملة للتعامل مع خطر «داعش»، ودعوته لاحقاً لتحالف إقليمي ودولي لمواجهة تحدي التنظيم بمشاركة من الحلفاء السُّنة في الشرق الأوسط، وعدم وضع العربة أمام الحصان.. كما هو الحال اليوم.. وأن تلك الاستراتيجية يجب أن تشمل، حسب أوباما، عمليات عسكرية برية، بالإضافة إلى ضربات جوية. واللافت أنه بعد شهر من التدخل العسكري الأميركي في العراق بضربات جوية ضد مواقع «داعش»، وتزويد البيشمركة الكردية بالأسلحة من طرف الدول الغربية وإيران، تحول الطيران الحربي الأميركي -عكس ما أكده أوباما- من طيران لسلاح الجو العراقي إلى طيران لسلاح الجو العراقي والكردي معاً! وماذا عن سوريا؟ وقد أكد الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، أنه لا يمكن هزيمة «داعش» دون ضربه في سوريا! ولكن هل تتضمن استراتيجية أوباما، والتحالف الإقليمي والدولي، ضرب التنظيم في سوريا؟ وما هو المطلوب، ومن سيشارك؟ وما هي استراتيجية الدخول والخروج؟ وماذا عن الحاضنة السنية؟ وكيف يمكن أن تشارك في مواجهة ومحاربة التطرف والمنظمات المتطرفة السنية دول وتنظيمات تصنفها أميركا على أنها داعمة للإرهاب، أو إرهابية.. وعلى رأسها إيران (محور الشر) وسوريا (ظلت لعقود على قائمة الدول التي ترعى الإرهاب) و«حزب الله» (المصنف منظمة إرهابية).. فكيف يستقيم هذا مع ذلك؟ وهنالك أيضاً سؤال آخر: ماذا قصد أوباما بعبارة القيام بعمليات عسكرية برية؟ ومن سيقوم بها؟ وما المقصود بالتحالف مع دول الاعتدال السنية في المنطقة؟ وهل يكفي تسليح الجيش العراقي والبيشمركة الكردية لإنجاز مهمة القضاء على «داعش»؟ أم أن هناك حاجة لمشاركة دول إقليمية؟ وخاصة أن إيران وحلفاءها في العراق وسوريا و«حزب الله» يقدمون أنفسهم أيضاً كرأس حربة في مواجهة التطرف السني في المنطقة.. وكذلك تقدم دول مجلس التعاون الخليجي كرأس حربة أيضاً ضد الإرهاب، وقد حذر خادم الحرمين في كلمة أمام السفراء المعتمدين في السعودية من تهديد الإرهاب، وخطر تمدده إلى أوروبا خلال شهر وإلى أميركا خلال شهرين! ما لم يتم التعامل مع خطر تمدده بتحالف إقليمي ودولي فعال. وهكذا جمعت ضرورة التصدي لتهديد «داعش» خصوم وأعداء وأضداد الأمس في تحالف مصلحي إقليمي ودولي تقوده إدارة أوباما. وقد تحدث الرئيس الأميركي من إستونيا، في طريقه إلى قمة حلف «الناتو» ببريطانيا، عن ضرورة رسم ووضع خريطة طريق لمواجهة تحدي «داعش» الذي أصبح أشد خطراً وتهديداً للأمن الإقليمي والدولي، ووصف التنظيم بأنه ورم سرطاني يجب استئصاله! ولكن يبدو أن هناك انقساماً وتساؤلات إقليمية ودولية حول الاستراتيجية التي تفتقد الرؤية والوضوح، حتى الآن. وبطبيعة الحال فقد بحثت قمة «الناتو» أيضاً ما تعتبره «بلطجة» بوتين في أوكرانيا، وتصاعد مخاطر حرب باردة جديدة بين الغرب وروسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية. والواقع أن خطط واستراتيجية أوباما لا تزال غير واضحة -وإن كان قد اعترف هو نفسه في نهاية أغسطس، بأن أميركا لا تملك استراتيجية بعد للتعامل مع «داعش»! وأنه لا يريد أن يضع العربة أمام الحصان! ما أثار الكثير من الانتقادات والتندر حتى في صفوف بعض قيادات حزبه الديمقراطي في مجلس الشيوخ مثل السيناتورة دايان فاينشتاين. بالإضافة طبعاً إلى قيادات جمهوريين وعلى رأسهم السيناتور جون ماكين. هذا دون إغفال وجود شكوك وقلق لدى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، الذين ينتظرون زيارة وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين، على التوالي، جون كيري وتشاك هاغل، لمناقشة كيفية التعامل مع تفاقم خطر «داعش» الذي حل محل خطر وتهديد «القاعدة» الأم، بعد ثلاثة عشر عاماً من اعتداءات 11 سبتمبر 2001. ولكن على الرغم من خطر «داعش» الأمني، ووصفه بالسرطان، والتداعي الإقليمي والدولي لمواجهته، واستئصال خطره على حد وصف أوباما وكيري، والتوعد بالاقتصاص من قتلة الصحفيين الأميركيين جيمس فولي وستيفن ساتلوف مهما طال الزمن! ومع اصطفاف الاتحاد الأوروبي والتزامه بالتعاون لهزيمة التنظيم الإرهابي، إلا أن هناك شكوكاً تبقى قائمة في جدوى هذه الاستراتيجية المترددة، والتي لا يوجد حولها، حتى الآن، إجماع دولي أو إقليمي. وبالتالي فقد تضع العربة أمام الحصان في التعامل مع خطر تنظيم يجند آلاف الغربيين الذين سيعودون إلى بلادهم كقنابل موقوتة، لينقلوا العمليات الإرهابية إلى قلب أوروبا وأميركا.. ومن اللافت أن ذلك كله يتفاعل عشية ذكرى اعتداءات 11 سبتمبر، ويتزامن أيضاً مع إعلان أيمن الظواهري إنشاء فرع لتنظيم «القاعدة» في شبه القارة الهندية! ومرة أخرى تبقى العربة أمام الحصان! ويبقى تهديد الإرهاب الدولي قائماً متفاقماً.. فما العمل؟!