مثلت إذاعة تنظيم «داعش» لشريط فيديو مقتل أو ذبح الصحفي الأميركي جيمس فولي لحظة فارقة في موقف الإدارة الأميركية والرأي العام في الولايات المتحدة من الحرب العبثية التي يشنها «داعش» في العراق وسوريا.. فالإدارة الأميركية مهمومة بموقف مبدئي التزم به أوباما عند انتخابه رئيساً قال فيه إنه لن يخوض في الشرق الأوسط حرباً يعرض فيها أرواح أميركيين للخطر، إحساساً منه بموقف الشعب الأميركي الرافض للحروب التي فقد فيها أرواحاً كثيرة وتعرضت فيها سمعة الولايات المتحدة للضرر لدى شعوب المنطقة منذ حرب بوش على العراق. وهو محق في ذلك فقد كان أحد بنود انتخابه الرئيسية التي أوصلته لسدة الرئاسة هو موقفه المعارض للحروب. لكن عندما شاهد الناس في الولايات المتحدة وعلى امتداد الكرة الأرضية كلها ذلك المنظر البشع -لحظة ذبح الصحفي الأميركي- الذي عبر عن وحشية وقسوة القتلة الذين يلبسون رداءً مزيفاً باسم الدين الحنيف، والدين منهم بريء، في تلك اللحظة تحول موقف الإدارة والرأي العام الأميركي وأدرك الجميع أن هذا السرطان -الوصف لأوباما- لو ترك ليتمدد فإنه قطعاً سيصل إلى البيت الأبيض كما تبجح ذات مرة المتحدث الإعلامي «الداعشي» وخاطب الأميركيين في شريط مسجل أُذيع قال فيه: «إنه وبمشيئة الله سيرفع علم داعش على سارية البيت الأبيض»! إن السياسة الأميركية تجاه جماعات العنف والإرهاب ظلت ترسمها وتخططها أجهزة الأمن والاستخبارات الأميركية بما تتصوره ملائماً لمصالح بلادها ومحققاً للأمن القومي الأميركي.. فهي عندما دعمت وموّلت وسلّحت ودبّرت كثيراً من جماعات التطرف كانت تهدف إلى استخدامهم «كروتاً» في حربها الباردة ضد الاتحاد السوفييتي السابق، وربما جنح بها الخيال لاستخدامها أيضاً في الضغط والابتزاز حتى ضد حلفائها من حكومات في العالم الإسلامي، عندما تحين الساعة لهذا الأمر.. والخطأ القاتل في هذه المعادلة الأميركية الفجة أنها لم تحسب حساباً للعوامل النفسية والطمع البشري عند صنائعها هؤلاء، ولم تحسب حساب هذه الشعوب التي ستتعرض لمخاطر عنفهم وسعيهم للسيطرة بأي مسمى مزيف.. ولم تحسب، وهذا هو الأهم، أن هذه الشعوب شبت عن الطوق ولا تريد من أميركا، ولم تطلب منها، أن تصدر لها الديمقراطية والحداثة الأميركية. وفي لحظة كتابة هذا المقال كان أوباما قد أخطر الكونجرس أمس بأنه قد صدق للقوات المسلحة الأميركية على تنفيذ العمليات العسكرية التي تراها لهزيمة «داعش».. وكان كبير مستشاري البيت الأبيض قد سبقه ومهّد للأمر القادم عندما أعلن للصحفيين أن قتل «جيمس فولي» يمثل هجوماً علينا، ونحن لن نتردد في الرد على هذا التهديد. ولكن القول الفصل جاء على لسان رئيس هيئة القيادة المشتركة الذي يرى أن هذه المنظمة (داعش) من الممكن احتواؤها ولكن ليس عن طريق الضربات الجوية فحسب.. مؤكداً أن واشنطن مستعدة لحرب واسعة ستنتهي بهزيمة «داعش» هزيمة نهائية. لقد كان مقتل الصحفي «فولي» سبباً لتغير الموقف الأميركي الرسمي والشعبي من «حرب داعش» في العراق وسوريا.. وفي هذه الصحوة الأميركية قال الرئيس أوباما: إن الصحفيين ليسوا وحدهم أهدافهم -يعني «داعش»- لقد قتلوا المسلمين السوريين والعراقيين والمسيحيين والإيزيديين وآخرين بالآلاف. وعذبوهم وقطعوا رؤوسهم. إن حالة الفوضى والإرهاب والموت التي نشروها في المنطقة في السنوات الأخيرة هي حقيقتهم الأصيلة فهم عصابات من المجرمين القتلة! وأمام هذه الجرائم الوحشية والانتهاكات الإجرامية لحقوق الإنسان، أطفالاً ونساءً ومسنين، التي فصَّلها التقرير الأخير لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وقدّم لمجلس الأمن وطالبت فيه بعمل أممي للدفاع عن أرواح وممتلكات وحقوق الناس من الأعمال التي تمارسها «داعش»، دعا الرئيس الفرنسي إلى مؤتمر للدول المعنية لإيقاف «داعش» عند حدها والتعامل معها باللغة التي تعرفها.. وهي دعوة كان قد أعلن مثلها أوباما وخص دول الاقليم بالذات وجاء ذكر بعضها بالاسم، لأنه لا يريد أن تنفرد الولايات المتحدة بمهمة قتال «داعش».