هناك رسالة جديدة أخذت تتشكل في أميركا بشأن الأحداث التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط، وهي رسالة صادرة عن الجمهوريين، ووسائل الإعلام، وحتى بعض الديمقراطيين، مؤداها: انسوا محاولة فهم تفاصيل الوضع المعقد والمتشعب، ولا تشغلوا أذهانكم كثيراً بأمر النتائج غير المقصودة والسياسات ذات الأثر العكسي، وانسوا أمر كوارث الماضي التي نتجت عن هذه العقلية تحديداً، لأن علينا أن نشعر بالخوف، علينا أن نشعر بالخوف الآن. والقطعة المحورية في كل البرامج الإخبارية كانت عبارة عن جملة نطق بها الرئيس باراك أوباما في مؤتمر صحافي مؤخراً؛ حيث أجاب على سؤال حول احتمال «الذهاب إلى سوريا» قائلاً: «علينا ألا نضع العربة أمام الحصان لأننا لا نتوفر على استراتيجية بعد». فوثب الجمهوريون على العبارة ليجادلوا بأن أوباما لم يكن يتحدث عن عمل عسكري في سوريا في الواقع، وإنما عن التعامل مع «داعش» بشكل عام. ثم أخذ كثيرون في وسائل الإعلام نفس الجملة؛ والحال أن القاعدة الأولى لـ«خطأ» ما هي بتر الكلام واجتزاؤه من سياقه. وهكذا، سألت الصحافية أندريا ميتشل في برنامج «ميت ذا بريس» (واجه الصحافة) عضو مجلس الشيوخ دايان فينشتاين (الديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا): «هل كان الرئيس على خطأ حين أظهر حيرة وتردداً من خلال قوله إنه ليست لدينا استراتيجية لمواجهة داعش بعد؟». وعندما لم يؤد سؤالها إلى النتيجة المنشودة: تنديد قوي بما يكفي، تابعت ميتشل قائلة: «ألا يعكس ذلك ضعفاً من جانب البيت الأبيض؟». وبالطبع، فلا شيء أسوأ من «إظهار الحيرة والتردد» أو «أن تعكس ضعفاً»، فهما أسوأ حتى من غزو بلد بدون التوفر على مخطط لما ينبغي القيام به بعد أن تتوقف القنابل عن السقوط! دعونا لا ننسى أن إدارة أوباما اتخذت منذ بعض الوقت إجراءات عسكرية ضد «داعش» من خلال مبادرتها بقصف مواقع ذلك التنظيم في العراق. وعلاوة على ذلك، فإن الجيش الأميركي يقوم أيضاً بعمليات مراقبة جوية فوق سوريا استعداداً لعمل عسكري هناك. ولكن بالنسبة لحزب الحرب، الذي تبين أن نصائحه كانت كارثية للغاية في الماضي، فكل هذا ليس كبيراً بما يكفي ولا سريعاً أيضاً بالقدر اللازم. وفي رأيي أن علينا أن نكون متفقين على شيء واحد على الأقل: إن أي شخص يقترح عملاً عسكرياً واسع النطاق في العراق أو سوريا، أو كليهما معاً، سيكون عليه أن يشرح أولاً كيف ولماذا سيحقق ذلك هدفَ القضاء على «داعش»؟ ولماذا لن تكون النتائج والعواقب غير المقصودة التي ستنجم عن نوع من أنواع الغزو أسوأ من تلك التي ستنتج عن مسار عمل مخطط له بعناية أكبر. أما الهتاف «ابدأوا القصف وحسب!»، فذا لا يرقى إلى درجة التفسير المقنِع. وإذا وجد أنصار الحرب وقتاً للتفكير بشأن تلك العواقب، فربما يقدمون قضية قوية ومقنعة بشأن دعاواهم بأن التحرك على نحو حذر سيكون خطأ، ولماذا ستكون مخاطر التصرف بشكل منهجي أشد وأعظم من مخاطر التحرك بالقوة القصوى في أقرب وقت ممكن. وقد يكونون على صواب. من يدري؟ وأعتقد أن معظم الأميركيين سيكونون راغبين في الاستماع إلى ما لديهم ليقولوه. والحال أنهم لم يحاولوا حتى تقديم حججهم وشرح مبرراتهم؛ وفي المقابل، فإن ما نسمعه اليوم يشبه كثيراً ما كنا نسمعه في 2003 عند غزو العراق: إن الوقت يمر؛ والخطر يتعاظم؛ وإذا توقفنا لنفكر، فإننا جميعاً سنموت! بول والدمان كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»