يعود استخدام مصطلحات عنف وإرهاب بمعانيها الدارجة في العصر الحديث إلى أيام الثورة الفرنسية، فقد استخدمت أصلاً في عام 1794 للعودة إلى استخدام العنف من قبل الحكومة ضد مواطنيها، وهو أصل يجدر تذكره دائماً. وضمن هذا المعنى استخدمها أيضاً «ليون تروتسكي» مفوض الحرب للحزب الشيوعي السوفييتي الذي عهد إليه بث المبادئ الحزبية في الجيش السوفييتي، والتأكد من صدق ولاء أفراده للحزب، في أعقاب قيام الحكومة البلشفية عام 1917، لكي يبرر استخدام العنف السياسي ضد أعداء الدولة الجديدة. وقد جادل «تروتسكي» بأنه لا يمكن بناء الاشتراكية في روسيا في ظل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة، ومحاولات التدخل الإمبريالي في شؤون الدولة الجديدة، ما لم تقم باستخدام العنف والقمع ضد أعدائها. لكن المصطلحات ومعانيها تتغير مع مرور الوقت؛ ومن دون شك أن مصطلح «عنف» تطور لكي يأخذ معاني مختلفة منذ تلك الأوقات. وتوجد الآن أربعة معانٍ مختلفة للمصطلح ضمن السياق العام لمقولات العنف هي: استخدام العنف من قبل الدول ضد مواطنيها، والتصرفات الإرهابية العنيفة المعزولة، ومسألة استخدام العنف من قبل حركات التحرير والحركات الوطنية ذات الأهداف المحددة، وأخيراً تضخيم العنف من خلال الإرهاب لتحقيق نهايات سياسية من قبل جماعات وأفراد وتنظيمات تسعى للسلطة والثروة والصيت. وبالنسبة للنمط الأول تقوم الحكومات باستخدام سلطة تطبيق القانون بقوة، وهو ما يسميه علماء الإنثروبولوجيا بالعنف من أعلى، وهو نمط شائع جداً في العالم الحديث، يمارسه الجالسون في السلطة ضد من هم في خارجها، وهذا انعكاس لما تمارسه الدول من عنف في داخل حدودها. والنمط الثاني من العنف هو الذي يمارس بطرق منعزلة، وبشكل منفصل عن ما تقوم به الدول في حالة الحرب، وبالتالي هو عنف يهدف إلى التسبب في الإرهاب بحد ذاته، عوضاً عن أن يساهم في صراع أوسع أو أن يتسم بالشرعية. وفي نطاقه الضيق، يعود هذا النمط إلى عنف تتم ممارسته عبر حدود الدول، أي على أراضي دولة ثالثة، كأن تقوم حركة «طالبان» الأفغانية بممارسة أعمال عنف على أراضي الهند مثلاًَ، أي خارج أراضي أفغانستان ذاتها. هذه الأعمال تعتبر في استخدامها المعاصر ممارسات عنف دول بمفاهيمها الضيقة. والنمط الثالث هو أن مصطلح عنف يستخدم بطريقة أكثر اتساعاً لوصف الممارسات العنيفة خلال حرب أهلية أو وضع تصادمي لأي جماعة لا يتم الاعتراف بها. بروتوكول جنيف لعام 1977 يقوم بتحديد صيغ العنف غير المسموح بها خلال الصراعات المدنية، لكن المشكلة في ذلك هي أن مواده تخلط بين النقاش الخاص باستخدام العنف وبين قراءة تعريف العنف وبين شرعية السبب الذي استخدم من أجله العنف أصلاً. وبالإضافة إلى ذلك ضمن المحتوى الخاص بالعديد من حركات التحرر في العالم الثالث والحركات الوطنية، فإن العنف بمفهومه الضيق يمكن أن يسمى إرهاباً. لذلك فإن مصطلح إرهاب كثيراً ما يستخدم اليوم لتوصم به أي حركة تحرر أو حركة وطنية لا توافق عليها الحكومات والشعوب في الغرب. ولكي يتم تجنب هذا الانزلاق توجد حاجة إلى التفريق بين النقد الخاص بصيغ معينة للعنف أو اللجوء إلى العنف ذاته وبين وجود السبب ذاته. لذلك فقد انبثق من ذلك نمط رابع للعنف يستخدم كذريعة، كأن تقوم مجموعة من الفلسطينيين بمهاجمة ملهى ليلي في إسرائيل، متذرعة بأن تلك إحدى وسائلها المحدودة للمقاومة، وهنا فإن العنف اهتمام عام معبر عنه ومعزز كقضية وطنية. لكن بالنسبة لإسرائيل يعتبر ذلك إرهاباً وموضوعاً للإنذار بالخطر بأن ينشأ الشباب الفلسطيني كافة محباً للعنف والإرهاب. وبهذا المعنى فإن القضية الخاصة بالعنف يتم تضخيمها وتوسعتها لكي تغطي العديد من الظواهر الأخرى، ولكي تقوم بتبرير وتوجيه الحركة السياسية. وهنا يوجد الكثير من التشويش والتحريف لقضية التفريق بين مشروعية الكفاح المسلح وبين الإرهاب، وخلطٌ بين النضال من أجل الحرية والإرهاب.