يغمرني الأمل في أن تثمر خطة فلاديمير بوتين التي أطلق عليها اسم «النقاط السبع» من أجل إعادة تحقيق السلام في القطاع الشرقي من أوكرانيا. وأنا أعلم أنها كافية لدفع أي إنسان في مدينة «دونيتسك» لكي يتنفس الصعداء. وبعد أن أعلن الرئيس الأوكراني «بيترو بوروشينكو» صباح الأربعاء الماضي على مضض موافقته على صفقة السلام مع بوتين، آثر الكرملين الاستمرار في لعبته السياسية ذات الفصول الغامضة عندما أكد على أن روسيا لا يمكنها عقد مثل هذه الصفقات، من جانبها، لأنها لا تمثل طرفاً في الصراع. ويبدو أن بوتين فضل التسويف والمناورة أو حتى صرف النظر عن هذه الخطة برمتها عندما ركب طائرته متوجهاً من أقصى شرق روسيا إلى مطار مدينة «أولان باتور» في دولة منغوليا في رحلة استجمام. وتبدأ الخطة «البوتينية» بالتفاهم مع الميليشيات المنتشرة في جنوب شرق أوكرانيا التي تضم كلاً من الثوار الانفصاليين والروس الذين يقدمون لهم الدعم، على وضع حدّ لعمليات استهداف الجيش الأوكراني. ومن المقرر في مقابل ذلك أن يعمد الأوكرانيون إلى سحب قواتهم إلى ما وراء خط المدى الأقصى لقذائف مدفعيتهم بعيداً عن المدن التي يحتلها الانفصاليون، بالإضافة إلى فرض حظر على استخدام القوات الحكومية الأوكرانية للقوات الجوية. ومن المقرر وفقاً للخطة أن يتبادل الطرفان الأسرى والسجناء وفقاً لمبدأ «الكل مقابل الكل»، ومن دون أية شروط مسبقة. وتقضي أيضاً بفتح ما أطلق عليه مصطلح «الممرات الإنسانية» Humanitarian corridors لمساعدة النازحين على العودة إلى ديارهم، وإرسال طواقم فنية إلى معاقل المهجّرين لمساعدتهم على الاستعداد لموسم الشتاء القاسي. وكان بوتين قد اقترح تنفيذ هذه الخطة تحت إشراف دولي. ولا يبدو أن هناك أية حجة يقبلها العقل والمنطق يمكن للرئيس «بوروشينكو» أن يتذرّع بها لرفض الخطة، وخاصة أن أحد بنودها الأخرى تقضي بعمل كل ما يلزم لوقف حمام الدم الذي يسيل في القطاع الشرقي من أوكرانيا. وسيتم أيضاً الحفاظ على توازن القوى القائم على الأرض على أساس احتفاظ الانفصاليين بالمواقع التي يسيطرون عليها بمساعدة الروس. ويمكن للخطوة التالية من الخطة أن تكون محفوفة بالمصاعب والعقبات. وذلك لأن بوتين لا يقبل بأي نوع من الوصاية السياسية على القطاع الشرقي من أوكرانيا. وعلى رغم أن «بوروشينكو» سيجد من السهل عليه أن يعلن تلك المنطقة باعتبارها «محتلة من طرف الروس» ويغسل يديه منها، إلا أنه كان قد فاز في الانتخابات الرئاسية التي نظمت في شهر مايو الماضي على أساس الوعد بالحفاظ على أوكرانيا موحدة. وهذا يعني بالضرورة أن مفاوضات شاقة حول هذه الأمور لابد أن يتم تنظيمها بين الطرفين المتنازعين، وهي تعد أكثر أهمية من الشروط التي وضعها بوتين لوقف إطلاق النار. وهناك احتمال كبير لانهيار وقف إطلاق النار لو فشلت المحادثات السياسية حول القضايا التفصيلية الشائكة. كما أن خطة «بوروشينكو» لتنظيم الانتخابات البرلمانية في شهر أكتوبر المقبل ستفشل أيضاً لو انهارت المفاوضات السياسية. وفي الوقت الراهن، لابدّ من أخذ اقتراحات بوتين على محمل الجدّ. وعلى الولايات المتحدة وأوروبا دعم تلك الاقتراحات أيضاً. وينبني هذا الافتراض على أساس القاعدة البدهية التي تقول إنه إذا كانت الولايات المتحدة ودول أوروبا لا ترغب في الحرب، فلتترك الفرصة لوقف الصراع وإحلال السلام على أقل تقدير. وقد قال لي صديق أوكراني من أصل إسباني يدعى «إنريك منديز» يقيم في «دونيتسك» عاصمة الإقليم الشرقي من أوكرانيا: «لقد وصلت الحرب إلى عقر دارنا، وبات في وسعي أن أتلمس من أحاسيس ومشاعر الناس أنهم يريدون السلام ولا شيء غير السلام، وتحت أي ديكتاتورية أو حكم تسلطي كان». وقد كتب هذا الصديق ذاته تعليقاً في حسابه على «الفيسبوك» قال فيه: «إن الحياة الهانئة التي تفوح منها رائحة السلام تمثل قيمة هائلة لابدّ لمن يشعر بها أن يتمسك بها مهما كانت الظروف والأحوال». ولم يأتِ هذا الشعور من فراغ، بل لأن هذا الرجل النشيط الذي يعمل في تسويق خدمات الإنترنت لا يكاد يأوي إلى فراشه حتى يبدأ بسماع انفجارات قذائف المدفعية التي تصمّ الآذان وتمنعه من النوم. وكان قد سارع إلى إبعاد زوجته وأولاده خوفاً من القذائف وباتت عائلته تقيم في مخيم للنازحين وفي أقصى شرق أوكرانيا. وكان مما أثار فيه عقدة الخوف والهلع أن قذيفة مدفع من العيار الثقيل سقطت على المبنى المجاور لمكان إقامته فدمرته بمن فيه من سكان. وقد أسعفه الحظ في العديد من المرات ونجا من الموت بأعجوبة. وهذه هي صورة الحياة في شرق أوكرانيا كما يرسمها لنا «إنريك»: انفجارات لا تتوقف يختلط صوتها بأصوات صرخات النساء والأطفال. وقد سألت صديقي «إنريك» عن رأيه في اقتراح تقدم به أحد السياسيين يدعو إلى تسليح أوكرانيا للحدّ الذي يجعلها قادرة على التصدي للغزو الروسي، فقال: «لو حدث هذا، فلن يكون هناك شيء على سطح الأرض اسمه أوكرانيا، وسيخترقها الروس حتى يصلوا على أقصى حدودها الغربية». وأنا آمل أن يتوقف صديقي «إنريك» عن سماع دوي الانفجارات كل ليلة. وأما ما سيحدث بعد ذلك فينطوي على أهمية أقل. وهذا أقوله على رغم أنني أتمنى حدوث تطور مفاجئ يسمح له بإعادة عائلته التي اضطر إلى إبعادها عن الخطر ليبدأ عمله من جديد. ليونيد بيرشديسكي كاتب ومحلل سياسي روسي