شاع استخدام مفهوم «القوة الناعمة» في صفوف الأكاديميين والمثقفين وبعض صناع السياسة الخارجية، وذلك منذ أن وضعه في العقد الماضي جوزيف ناي، الأكاديمي البارز ومساعد وزير الدفاع الأميركي للشؤون الأمنية الدولية السابق، والذي قال «القوة الناعمة» إنها «القدرة على نيل ما تريد من خلال الإغراء بدلاً من الإكراه أو دفع الأموال»، وإنها «تتعلق باستقطاب التعاون من طرف الآخرين». وانطلاقاً من هذا الإطار المفاهيمي نفسه، يحاول كتاب «في البحث عن القوة الناعمة»، لمؤلفَيه بنجامين جولدسميث ويوزاكو هوريوشي، والذي نعرضه هنا، الإجابة عن سؤال محوري: «هل للرأي العام الخارجي أهمية في السياسة الخارجية الأميركية؟». وقد قاما بتمحيص هذا السؤال مستخدمين استطلاعات دولية شملت ثماني وخمسين دولة، مقرونةً بالمعلومات حول قراراتها المتعلقة بالسياسة الخارجية عام 2003، باعتباره عاماً حاسماً بالنسبة للولايات المتحدة خلال فترة ما بعد الـ11 سبتمبر 2001. وعلى المستوى التجريبي يقوم المؤلفان بتحليل ثلاثة متغيرات، ويوضحان أن الرأي العام الخارجي له تأثير مهم وكبير في المشاركة بقوات عسكرية في حرب العراق، وأن له كذلك آثار ملحوظة في السياسة العامة تجاه المحكمة الجنائية الدولية، وفي قرارات التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد جاءت نتائج التحليل لتدعم المنطلقات النظرية الدقيقة حول القوة الناعمة، ولتؤكد أن نظرة الرأي العام للسياسة الخارجية الأميركية في الدول الأجنبية، تؤثر في سياسات هذه الدول تجاه الولايات المتحدة، لكنه تأثير يتوقف على بروز قضية للجماهير العامة في هذه الدول. وتنسجم تحليلات الكتاب مع استدلالاته، إذ يوضح أهمية موقف الرأي العام حيال السياسة الخارجية الأميركية، لا سيما حين تتخذ الدول قرارات حول قضايا ذات أهمية للولايات المتحدة. ويعتبر هذا التأثير المقدّر للرأي العام حول السياسة الخارجية كبيراً وقوياً على نحو خاص إنْ كانت هناك قضية محددة وبارزة بالنسبة للرأي العام الأجنبي، تتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية. وفي هذا الخصوص يلاحظ جولدسميث ووهوريوشي أن القادة الأجانب يهتمون بمواقف شعوبهم عندما يزنون قراراتهم، مثل ما إذا كانوا سيرسلون جنوداً إلى أماكن تتعرض فيها حياتهم للخطر، الأمر الذي يمكن أن يسبب كثيراً من القلق والمعارضة الشعبيين. ورغم أن المتغيرات التابعة التي وضعها المؤلفان تغطي مجموعة من القضايا، مثل القوات في العراق، واتفاقات الحصانة الثنائية، والقوات في أفغانستان، والمحكمة الجنائية الدولية.. فإن فترة بحثهما محددة زمنياً، وبالتالي فإنهما لا يدعيان بأن الرأي العام الأجنبي هو دائماً مهم بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية. بل الواقع أن تحليلهما قد يفيد ضمناً بأنه ليست له نتائج حقيقية تتعلق بالسياسات إلا عندما تكون القضايا مثار جدل ونقاش كبيرين في أوساط جماهير الشعوب الأجنبية وعلى نطاق واسع ومكثف. كما أن بحثهما لا يتناول بالفحص والتحليل الإطار الزمني أو العملية الكاملة لآثار القوة الناعمة، رغم كونه تحليلاً محدداً زمنياً. ولعل مرد ذلك إلى ما يبدو من أن إدارة أوباما قد ركزت على القوة الناعمة أكثر مما فعلته إدارة بوش التي سبقتها، وأنها لذلك السبب كانت أقدر على توليد صورة إيجابية للولايات المتحدة الأميركية على الصعيد العالمي. ورغم تأكيد الكتاب على أن للقدرات العسكرية فوائد محققة، لا سيما في مجال مكافحة الإرهاب العالمي، فهو يلاحظ أن الولايات المتحدة كثيراً ما قامت باختبار الحدود الخارجية لفائدة القوة العسكرية منذ حربها على أفغانستان عام 2001. وحتى في حالة القطبية الأحادية في مجال القدرات العسكرية، كانت الولايات المتحدة بعيدة عن تحقيق السيطرة الكاملة على نتائج تدخلاتها في العديد من المناطق الرئيسية. هذا في مقابل النتائج الآمنة غالباً لاستخدام القوة الناعمة. محمد ولد المنى الكتاب: في البحث عن القوة الناعمة المؤلفان: بنجامين جولدسميث ويوزاكو هوريوشي الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2014