خلال موسم منتدى «أصيلة» لهذا العام، تم طرح محور حمل عنوان «الدولة الوطنية والاتحادات الإقليمية في عالم الجنوب». هذا المنتدى أصبح فعالية ثقافية سنوية تستضيفها «أصيلة»، هذه المدينة المغربية المطلة على ساحل المحيط الأطلسي. وعلى هامش المحور المشارإليه، والذي كان أحد فعاليات المنتدى، وجدت أن هنالك خلطاً واضحاً لدى البعض عند الحديث عن مفاهيم «الدولة» و«الوطنية» و«الدولة القومية». فالدولة الوطنية ‏Nation State ?هي ?التي ?تجمع ?أفراداً ?ينتمون ?إلى ?ثقافة ?واحدة ?وهوية ?واحدة ?ولغة ?واحدة ?وتاريخ ?مشترك، ?ويقدم ?الأفراد ?الولاء ?للوطن ?ولرموزه ?ويعيشون ?ضمن ?نطاق ?الدولة ?في ?ظل ?حكومة ?واحدة، ?ومثالها ?فرنسا. ?أما ?الدولة ?القومية ?National State ?فهي ?تجمع ?الأفراد ?في ?نطاق ?دولة ?لها ?السيادة ?والهوية ?الوطنية ?والمصير ?المشترك ?والمصالح ?الاقتصادية ?والسمات ?الثقافية، ?قد ?تكون ?مكونة ?من ?شعب ?واحد ?أو ?من ?عدة ?شعوب ?أو ?أفراد ?ليسوا ?بالضرورة ?منصهرين ?في ?أمة ?واحدة، ?مثل ?الولايات ?المتحدة ?الأميركية وكندا ?وأستراليا. ويرى مفكرون أن الدولة الوطنية لا تتحقق إلا بإزالة العلاقات التقليدية القائمة بين أفرادها، ما يمنح بعضهم ميزات معينة يُحرم منها الآخرون. والدولة وفق هذا المفهوم تنحو بذلك نحو المدنية التي تحوي جميع الأشكال الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والأخلاقية. وأن ينصهر الجميع في الدولة الوطنية بعيداً عن اتجاهاتهم الإثنية أو المذهبية أو العصبية. ويرى آخرون أن التجمعات الإقليمية (الدولة القومية) تأتي وسطاً بين الإغراق في المحلية ‏Localization ?وبين ?الانصهار ?الشديد ?في ?العولمة ?Globalization ?التي ?تلغي ?الحدود ?الجغرافية ?والاقتصادية ?وتؤمن ?بحرية ?نقل ?رؤوس ?الأموال ?عبر ?العالم ?كي ?يكون ?هذا ?العالم ?سوقاً ?عالمي. ولا يمكن أن تنجح الاتحادات الإقليمية إلا بوجود دولة أو دول وطنية قوية، وبناء على هذا المنطق، شهدنا سقوط العديد من الاتحادات في العالم العربي، مثل: الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) عام 1958 وانتهت بانقلاب عسكري في سوريا عام 1961، واتفاق الوحدة (مصر سوريا والعراق) عام 1963، لكنه لم يرَ النور، والوحدة بين (مصر وليبيا) عام 1973، وماتت باندلاع حرب أكتوبر من نفس العام، ومجلس التعاون العربي (الأردن، مصر، العراق، اليمن) عام 1989، وانهار بعد غزو العراق لدولة الكويت، واتحاد المغرب العربي (المغرب، تونس، الجزائر، موريتانيا) ولقد اعتبره البعض أنه ولد ميتاً قبل 25 عاماً. ومن الاتحادات الناجحة على المستوى العربي اتحاد الإمارات العربية المتحدة، الذي بدأت نواته الأولى عام 1968 بين أبوظبي ودبي، ثم التحقت به الإمارات الخمس الأخرى. ومنها مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981، والذي واجه العديد من المصاعب، تغلّب على بعضها وأخفق في معالجة البعض الآخر. وكذلك الوحدة اليمنية عام 1990، رغم حرب الانفصال عام 1994، ظلت باقية، فإنها ما زالت تعاني بعض التصدعات بحكم أن أهل الجنوب يشعرون بغبن، وعدم مساواة مع أهل الشمال. ولعل أهم العوامل التي أدت إلى انشطار العديد من الاتحادات الإقليمية هو التسرع والاندفاع والحماس القومي والعاطفي، الذي لم يدع للقائمين على تلك الاتحادات فرصة لدراسة العوامل التي تؤمن النجاح للاتحادات. كما أنه يوجد تفاوت واضح بين الدول التي تدخل الاتحاد، سواء على المستوى الاقتصادي أو البشري أو المستوى التعليمي بين البلدان. وكثيراً ما قامت اتحادات معتمدة على شخصيات بارزة، كما هو الحال مع رابطة عدم الانحياز التي أنشأها جمال عبدالناصر وتيتو ونهرو، وكذلك «الجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا» (‏ECOWAS)?. ?وكانت ?الظروف ?السياسية ?والعسكرية ?أيضاً ?قد ?لعبت ?دورها ?في ?إقامة ?اتحادات ?أو ?تحالفات ?مثل (?6+2) ?إعلان ?دمشق (مجلس ?التعاون ?ومصر ?وسوريا)، ?الذي ?استخدم ?كمظلة ?لتحرير ?الكويت ?من ?الغزو ?العراقي، ?إلا أنه ?لم ?يدم ?طويلاً، ?نظراً ?لتغيّر ?الظروف ?السياسية، ?وعدم ?وجود ?الأسس ?المشتركة ?لإقامة ?اتحاد ?متكامل، ?ونفس ?الشيء ?ينطبق ?على ?انضمام ?اليمن ?إلى ?مجلس ?التعاون?، ?وأيضاً ?سقوط ?مشروع ?انضمام ?الأردن ?والمغرب ?إلى ?مجلس ?التعاون، ?نظراً ?لعدم ?وجود ?الأرضية ?المشتركة ?والنظام ?السياسي ?والمقاربات ?السياسية ?لدول ?الجوار?، ?بل ?إن ?بعض ?الكتاب ?المغاربة ?رفضوا ?فكرة ?انضمام ?بلدهم ?إلى ?مجلس ?التعاون ?لأنه ?يتطلعون ?إلى ?الانضمام ?إلى ?الاتحاد ?الأوروبي. ويمكن النظر إلى تجارب أخرى للاستفادة منها، فقد كان الاتحاد الأوروبي ورابطة دول "الآسيان" – رغم تفاوت أنظمتها وثقافتها الفكرية وتباين مستوياتها الاقتصادية والإنمائية – ظلا مثلين واضحين على التعاون الإقليمي، ذلك أنهما قاما على أساس سليم وهو الاقتصاد، ثم تفرغا للأمور المختصة بمسارات التعاون الأخرى، بعكس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي بدأ بالأمن والترتيبات العسكرية، وظل أكثر من ثلاثين عاماً يحاول تكملة الجوانب الاقتصادية والبشرية ولم ينجح، كما تأملت الشعوب في الوصول إلى الوحدة، بل المواطنة الخليجية. وأرى أنه ما زالت العوائق و«الحساسيات» ماثلة في طريق المسيرة، لأن المجلس إنما (حطّهُ السيلُ من علِ) كما قال امرئ القيس، ولم ينشأ على القاعدة الأوسع، وهي الشعوب. د.أحمد عبدالملك أكاديمي وإعلامي قطري