أكتب هذا المقال وأمامي تصريح صدر عن وزير الإعلام الإسرائيلي، أعلن فيه أن (الحكومة الإسرائيلية أصبحت قريبة من اتخاذ قرار بإعادة تحريك القوات العسكرية الأرضية إلى غزة لاستكمال مهمتها بتدمير كل المواقع التي تهدد سلامة وأمن المواطنين الإسرائيليين، ذلك بعد أن عرقلت «حماس» محادثات الهدنة بينها وبلده التي يرعاه الوسيط المصري). وقد باشرت إسرائيل عدوانها المستمر على غزة - بعد فشل المفاوضات - لكن بهجوم جوي كان من بين ضحاياه أطفال ونساء وتدمير مساكن وأبراج وسقط من جرائها مزيد من الضحايا المدنيين. لكن الظاهرة الجديدة التي صاحبت حرب غزة الأخيرة ليس ارتفاع صوت «اليمين» الإسرائيلي المتشدد في تأييده غزو غزة بكل ما صاحبها من انتهاكات للقانون الدولي الذي حدد شروطاً تدعو المحاربين إلى عدم قتل المدنيين، خاصة الضعفاء منهم (الأطفال والنساء والعجزة)، إنما الجديد هو الموقف المخجل الذي سجلته الأحزاب والجماعات اليسارية والديمقراطية ليس في إسرائيل وحدها، ولكن على امتداد أميركا الشمالية وأوروبا، وهي الأحزاب والجماعات وقوى السلام ودعاة الإنسانية، وهي التي كانت تتميز بمواقفها السياسية حول الصراع العربي- الإسرائيلي (المعرف بالقضية الفلسطينية) تاريخياً.. فمع ارتفاع موجة اليمين المتطرف في إسرائيل وفي العالم الغربي، ظل الصوت اليساري يخفت بشكل تدريجي إلى أن وصل إلى هذا الموقف المخجل، (وتعبير الموقف المخجل ليس من عندي، ولكن هو تعبير استعمله كاتب وأكاديمي يهودي - كندي - في مقال رصين). ففي كندا مثلاً، اختفى تماماً من مسرح الأحداث خلال الأيام وربما الأسابيع الأولى لحرب غزة الجديدة حزب «اليسار التقدمي» أو الحزب «الديمقراطي الجديد» الذي يوصف دائماً بأنه صديق الفلسطينيين ونصير الأقليات الاثنية والدينية، تلك السمعة الحسنة التي أوصلت الحزب «الديمقراطي الجديد» لأول مرة في تاريخ كندا لزعامة المعارضة الرسمية في مجلس العموم (البرلمان) الكندي.. وعندما قال الحزب إنه يتعرض لهجوم منظم من الحزب الحاكم (المحافظين) ويواجه اتهامات بأنه موالٍ لـ«الإرهابيين»، أصدر بياناً خجولاً حمّل فيه «حماس» مسؤولية الحرب وتعريض أرواح المدنيين للخطر باستخدامهم كدروع بشرية. هذا الموقف الذي استنكرته قواعد الحزب التي شاركت وأحياناً نظمت التظاهرات والمواكب الشعبية التي دعت لإيقاف الحرب وإدانة مواقف حكومة «المحافظين» الكنديين وانحيازها المستفز لإسرائيل وتأييدها الصارخ لها.. وظهرت قمة هذا الاستنكار في استقالة النائبة الوحيدة من أصول عربية من الهيئة البرلمانية للحزب وإصدارها بياناً صحفي شديد اللهجة قالت فيه إن رئيس الحزب قد خرق الموقف التاريخي للحزب تجاه الصراع العربي - الإسرائيلي، وهو الموقف بموجبه منحها الناخبون في دائرتها الانتخابية ثقتهم (دائرة مونتريال الغربية)! هذا الموقف شارك فيه حزب «الأحرار الفيدرالي» بزعامة «ترودو الابن» الذي وجد نفسه أيضاً مواجهاً بهجوم منظم من حزب «المحافظين» الحاكم... هذا الموقف من حزب اليسار التقدمي وموقف الوسط التاريخي فسره كثير من الكتاب اليساريين والتقدميين بأن انتهازية قيادات الحزبين انجرت وراء خطة «المحافظين» وعيونهم ليس على أصوات الجالية اليهودية الكندية الانتخابية بل أيضاً على قوة الاتحاد اليهودي - الكندي (التمويلية) والإعلامية، فباع المواقف والمبادئ لقاء أمل كاذب بحصولهم لأصوات الناخبين اليهود في الانتخابات القادمة. هذه الموجة العنصرية المتصاعدة في إسرائيل التي يركبها رئيس الوزراء الإسرائيلي وحزبه التي تؤكد المقولة الصحيحة بأن إسرائيل هي الصورة الأخيرة من عنصريي جنوب أفريقيا البيض.. وهي مقولة تحاول إسرائيل نفيها بشدة. وفي كندا، يعيش معظم القادة السياسيين في خوف ورعب من الدعاية اليهودية التي ما أن يقول أحدهم حديثاً معقولاً ويدعو إسرائيل للتخفيف من غلواء سياستها ضد الفلسطينيين حتى تلتصق به تهمة معاداة السامية.. وكم من سياسيين أُخرجوا من الساحة بعد أن وجهت لهم الدعاية اليهودية نيران مدفعيتها. والعرب الكنديون وغيرهم يقفون عاجزين ومختلفين حتى في صد هجمات الأعداء عليهم. ـ ـ ـ ـ ـ عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا