تسبب رفض الحكومة الهندية لاستصدار قرار في البرلمان بشأن الاعتداء الإسرائيلي على غزة والقتل العشوائي للمدنيين الفلسطينيين في إثارة غضب جزء من المجتمع الهندي. وبالرغم من المحاولة اليائسة لحكومة «مودي» التي شكلها حزب «بهاراتيا جاناتا» لإحداث توازن في موقفها بقولها إن الهند تتقاسم علاقات وثيقة مع إسرائيل وفي الوقت نفسه تتمتع بعلاقاتها التقليدية مع فلسطين، إلا أن الرأي العام يميل بشدة لصالح الفلسطينيين ومعاناتهم. وتقريباً، فإن جميع المدن الرئيسية بالهند تشهد مسيرات احتجاج ضخمة ضد الأعمال الوحشية التي ترتكبها إسرائيل وقتل الأطفال الأبرياء والنساء. وفي نيودلهي، احتشد الآلاف من النشطاء والفنانين والمفكرين من أكثر من 70 منظمة، مطالبين بوضع حد فوري للعنف الدائر في غزة ومقاطعة إسرائيل. ولم يكن المحتجون يتعاطفون فقط مع الفلسطينيين، لكنهم قاموا بخطوات ملموسة للتعبير عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية والأزمة التي تتكشف في صراع غزة. وأعلن الآلاف من الفنادق في مومباي ومدن أخرى مقاطعتها للشركات والمنتجات الأميركية بسبب دعم الولايات المتحدة الأعمى والظالم لإسرائيل. ونشر الناس على مواقع التواصل الاجتماعي قائمة طويلة من المنتجات التي ستتم مقاطعتها، رغبة منهم في القيام بواجبهم لتسجيل غضبهم بسبب ما يحدث في غزة. وفي العديد من المدن، قام الناس بتوزيع منشورات تحث على مقاطعة البضائع الأميركية والإسرائيلية تضامناً مع الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال أسلوب سلمي، على غرار أسلوب غاندي، لممارسة «ضغوط» على إسرائيل والمورد لأسلحتها. ويأتي هذا الفيض من التعاطف مع فلسطين في مواجهة مقتل 1962 فلسطينياً منذ اندلاع الاعتداءات على غزة في بداية شهر يوليو. وفي جميع أنحاء العالم، ارتفعت أجواء الغضب بسبب الممارسات الإسرائيلية، مع قيام أربع وستين شخصية عامة، من بينهم سبعة من الفائزين بجائزة نوبل ومنهم «ديزموند توتو» و «بيتي وليامز» و«فيديريكو مايور زاراجوزا» و «جودي وليامز» بالدعوة لفرض حظر دولي للأسلحة على إسرائيل بسبب تصرفاتها في غزة. ووصف صناع الرأي وعدد من الأكاديميين ونشطاء حقوق الإنسان على مواقع التواصل الاجتماعي وخلال تجمعاتهم العامة بيان لوزيرة الخارجية الذي قالت فيه إنه «ليس هناك أي تغيير على الإطلاق في سياسة الهند تجاه القضية الفلسطينية»، بأنه بيان «مضلل». لقد تناقض الرأي العام بطريقة ما مع موقف الحكومة المتراخي وعدم الاستجابة للعنف الدائر في غزة، وهو الموقف الذي عرض حكومة «ناريندرا مودي» للانتقادات لأسلوب تناولها الصراع في غزة حيث يشعر الكثيرون أن الهند قد ابتعدت عن دعمها للقضية الفلسطينية. وقد كان زعماء الهند العظماء أمثال «المهاتما غاندي» و«جواهر لال نهرو» و«أنديرا غاندي» من المؤيدين المخلصين لقضية فلسطين العادلة. ولأكثر من ستين عاماً، كانت الحكومات الهندية المتعاقبة، سواء كانت تنتمي لحزب «المؤتمر الوطني» أو لأحزاب سياسية أخرى، لا تؤيد فقط إنشاء وطن مستقل للفلسطينيين، لكنها كانت أيضاً في الطليعة بالنسبة للحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني. كما كانت الهند أول دولة غير عربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وذلك في عام 1975، وقامت بمنح مكتب المنظمة في نيودلهي الوضع الدبلوماسي الكامل للسفارة عام 1980. وكانت نيودلهي كذلك واحدة من أوائل الدول التي تعترف بدولة فلسطين عام 1988. ويطالب قادة المعارضة في الهند الآن الحكومة الهندية الجديدة باتخاذ الموقف التقليدي الواضح ضد اعتداء إسرائيل على غزة. وعلى الرغم من أن حكومة حزب «بهاراتيا جاناتا» كانت تصف موقفها بأنه «تصرف متوازن» لتتجنب عدم الانجرار إلى موقف يتعين عليها فيه الانحياز لأحد الجانبين، لكن ميل الحزب تجاه إسرائيل معروف، حيث تتناغم أيديولوجيته بصورة أقرب مع إسرائيل. وينظر لرئيس الوزراء «ناريندرا مودي» باعتباره مقرباً لإسرائيل، التي قامت باستثمار مئات الملايين في الزراعة وتحلية المياه والطاقة الشمسية والطاقة الحرارية، إلى جانب مشاريع أخرى في ولاية «جوجارت» عندما كان «مودي» يشغل منصب كبير الوزراء بها. كما قام أيضاً بزيارة إسرائيل عام 2006 على رأس وفد كبير لحضور مؤتمر التكنولوجيا الزراعية. وفي عام 2013، تم توقيع اتفاق مع شركة «أشباه الموصلات المحدودة» أو «تاور جاز» الإسرائيلية لبناء مصنع لأشباه الموصلات في ولاية «جوجارات» بتكلفة تبلغ مليارات من الدولارات. ولكن من المهم لـ «مودي» الآن، باعتباره رئيس وزراء الهند، أن يرعى مصالح بلاده القومية من خلال التمسك بالمبادئ الجيدة، بدلاً من التقيد بالأيديولوجية السياسية المحدودة لحزبه. الصراع الدائر في غزة يعد بمثابة فرصة له لاتخاذ موقف في قضية ذات أهمية عالمية. وفي نهاية المطاف، فإن الهند لديها طموحات عالمية وترغب في الظهور كصوت مهم؛ لذلك، فإن موقفاً واضحاً إزاء الأزمة الإنسانية في غزة هو إحدى ضرورات الوقت الراهن. ومن بين طموحات الهند التي تعمل على تحقيقها هو الحصول على العضوية الدائمة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، من الضروري اتخاذ مواقف واضحة في القضايا الدولية، إذا كانت تتمنى تحقيق طموحها العالمي. وفي سياق متصل، انهار وقف لاطلاق النار في غزة يوم الثلاثاء الماضي مع إطلاق نشطاء فلسطينيين صواريخ على إسرائيل التي نفذت ضربات جوية قال مسؤولو صحة إنها قتلت ثلاثة أشخاص بينهم طفلة رضيعة. واتهمت إسرائيل نشطاء غزة بخرق الهدنة، وسارعت باستدعاء مفاوضيها المشاركين في محادثات في القاهرة مما ترك مصير الجهود التي توسطت فيها مصر لضمان سلام دائم في مهب الريح. وشنت المقاتلات الحربية الإسرائيلية سلسلة من الغارات على المناطق الشمالية في قطاع غزة، وذلك رداً على إطلاق الصواريخ. ونفت «حماس» إطلاق أي صواريخ من غزة تجاه إسرائيل وحملتها مسؤولية التصعيد الحالي الذي قالت إنه يأتي من أجل إجهاض مفاوضات القاهرة.