مُنذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي والعالم الغربي يتحدث في الكثير من أدبياته عن بروز نظام عالمي جديد، بالإضافة إلى شرق أوسط جديد، والتحول من نظام ثنائي الأقطاب من أميركا وروسيا إلى أحادي القطب، ومن ثم الوصول إلى نظام متعدد الأقطاب لا يعرِف لهذا التعدد أثراً إيجابياً يذكر حتى الآن لأن أميركا ما زالت هي صاحبة الصوت الأعلى والأقوى عندما يتعرض شعب لظلم الداخل أو الخارج. عندما أنشئت عصبة الأمم من دول محددة في ذلك الوقت كان الهدف من ذلك هو الوصول إلى حكومة عالمية واحدة من خلال تحويلها إلى الأمم المتحدة ليتسنى بناء هذه الحكومة التي ستدير العالم بسلام ووئام وانسجام، إلا أن الواقع في كل الدول المنضمة تحت هذه المظلة الأممية كان له حديث آخر سواء فسر ذلك عبر سلسلة من المؤامرات الخفية أو أن مجريات الأمور في كل دولة أدت إلى السير عكس اتجاه الحكومة العالمية الواحدة، وهي نظرة أقرب إلى حكومة العمال الشيوعية التي تبعثرت أجزاؤها في كل حدب وصوب، أو ما يدعو إليه دعاة الأصولية المعاصرة عبر رفع راية «الخلافة» المزعومة ولو على حساب جز الرقاب والأطراف ودفن الأحياء بدل الأموات! بعد الحرب العالمية الثانية كان يفترض أن تقف لغة الحروب وتحيد لصالح المجتمعات التي عانت الويلات التي ما زالت تطل برأسها في الحروب الأهلية التي تفاقمت في أفغانستان والسودان واليمن ولبنان وسوريا والعراق، والحبل ما زال على الجرار من أجل إرضاء نزعة «الفوضى الخلاقة» التي سوقتها كونداليزا رايس أناكوندا السياسة الخارجية الأميركية في عهد بوش الابن. فالنظام العالمي الجديد المرتقب يراد أن ينبت على جثث وأشلاء العالم العربي والإسلامي لأن فيه كل متطلبات الحياة الهانئة للغرب المتقدم الذي ما زال بعيداً عن تحقيق جزء من العدالة لهذا العالم الذي استفاد من ثرواته أثناء استعماره المباشر وما زال يمارس هذا الدور ولو بألوان شتى من السياسات التي تخدم حتى الآن مصالحه على حساب مصالح من هم بحاجة إلى نسمة من التنمية المستدامة في شتى مناحي الحياة. فالنظام العالمي الجديد حتى الآن يراد فقط ترويجه لخلق حالة من عدم الاستقرار باستخدام آلات الدين والطائفية والعنصرية وممارسة الإبادة المنظمة للأقليات وبأيدي أهلها لتهيئة الأرضية التي تسمح بالسيولة في دولة أو موقع فيه رائحة الأمن والأمان ظاهرة للعيان. فالنظام العالمي الجديد الموعود قام بدعم كل أنواع الاستبداد والديكتاتوريات وروّج للديمقراطيات في أفكار المغرر بهم حتى وقع فأس «الربيع العربي» على رأس أهله وليس غيرهم، فتحولت كل شعارات التغيير إلى مطالب وراءها قلب الأنظمة المستقرة في العالم العربي والإسلامي والترويج لأفكار مسمومة كان من نتائجها الآنية بروز التطرف «القاعدي» و«الداعشي» ودعاة الراديكالية الإسلامية وتسييس الدين بتعكير صفو الدنيا باسم الإسلام المظلوم من قبل بعض أهله قبل غيرهم. فالنظام العالمي الجديد سينشأ لمن وعلى حساب من ولصالح من؟ فإذا كان البعض وقع ضحية «الربيع» الذي لم ينبت زرعاً فما هو المأمول بعد ذلك؟ فالهدف الأخير من هذا النظام الجديد هو إدخال العالم العربي والإسلامي في نفق الأفكار الأصولية المظلمة لأن أصحابها يرون أن التضحية بالدنيا وما فيها هو طريق الوصول إلى الفردوس المزعوم! في حين أن الإسلام جعل الدنيا هي المعبر السليم والآمن إلى الفردوس الأعلى. فدور هذا النظام العالمي الجديد إيجاد نفر من أبناء هذه الأمة مهمتهم أو وظيفتهم تفجير هذا الجسر على رؤوس أصحابه العاملين على تعميره من أجل صالح البشرية.