على مدى عقود، تمتعت بنوك الاستثمار العالمية، وبالأخص "جولدمان ساكس" و"كريدي سويس" بسمعة كبيرة منحتها ثقة كبار المستثمرين وعلى رأسها الصناديق السيادية التي تملك ثروات طائلة، إلا أن سمعة هذه البنوك تلطخت بجملة من الفضائح في السنوات القليلة الماضية بعد فضيحة بنك "ليمان براذرز" وانهياره مما تسبب في الأزمة المالية العالمية. مؤخراً رفعت المؤسسة الليبية للاستثمار، وهي الصندوق السيادي لليبيا، الذي تأسس عام 2006 قضية لدى المحكمة العليا في لندن ضد بنك "جولدمان ساكس": بتهمة الخداع واستغلال قلة الخبرة لدى مسؤولي المؤسسة الليبية والدخول في تجارة مشتقات بتسع صفقات أدت إلى خسارة المؤسسة مليار دولار، في الوقت الذي حقق "جولدمان ساكس" أرباحاً خيالية بلغت 35% من قيمة هذ الصفقات، أي مبلغ 350 مليون دولار! الغريب في الأمر أن البنك استخدم الرشوة على شكل هدايا وسفريات مجانية للمدن الأوروبية لإقناع المسؤولين الليبيين بجدوى الاستثمار، مما يعني أنه على علم مسبق بالمخاطر التي تحيط بهذه المشتقات المالية التي أقنع إدارة المؤسسة الليبية بالاستثمار فيها، حيث رفعت مطالب للتعويض عن الخسائر الكبيرة التي لحقت بصندوق السيادة الليبي. ولا تعتبر هذه حالة الرشاوى الفريدة، إذ حاول البنك تقديم رشاوى مماثلة لمسؤولين صينيين، ما أثار ضجة كادت تطيح برؤوس كبيرة في مؤسسات الاستثمار الصينية، كما أن هيئة أسواق المال والسندات الأميركية سبق وأن غرمت البنك 550 مليون دولار، وذلك كتسوية لإسقاط الاتهامات بحقه حول قيامه بخداع المستثمرين ودفعهم لشراء سندات اتضح أنها مرتبطة برهون عقارية، مما يعني أن هذا النهج ملازم لعمل بنوك الاستثمار العالمية الكبيرة، والتي تدير مئات المليارات لصالح المستثمرين والصناديق وتقدم خبراتها واستشاراتها لهم. وبما أن العديد من المؤسسات المالية والمصرفية في المنطقة تتعامل مع هذه البنوك، سواء من خلال إدارة الأصول أو الاستشارات الاستثمارية والاستحواذات، فإن التعامل معها لابد وأن يتسم بالحذر الشديد لتفادي أية خسائر استثمارية، ربما تنجم عن سوء التصرف من قبل مسؤولي هذه البنوك العالمية. ومع أن عمليات الاعتماد على البنوك الأجنبية من قبل المستثمرين الكبار قد تقلصت خلال الآونة الأخيرة بسبب الأزمة العالمية ودور هذه البنوك فيها من جهة، وبفضل قيام مؤسسات التمويل في المنطقة، وبالأخص الصناديق السيادية ببناء إدارات كفوءة وعلى مستوى عال من المهنية، إلا أن التعامل مع بنوك الاستثمار في العالم أمر لابد منه بسبب هيمنتها على بيئة الاستثمار وخبراتها الطويلة في هذا المجال، إلا أن الحذر وتغيير طبيعة العلاقة معها مسألة مطلوبة لتفادي تكرار الإخفاقات وعمليات الاستغلال التي طالت بعض المؤسسات، كمؤسسة الاستثمار الليبية. وعلى خلاف الإدارات السابقة للمؤسسات المالية والمصرفية المحلية، فإنه إلى جانب الخبراء الأجانب، فإن أعداداً لا بأس بها من الخبراء المواطنين، والذين اكتسبوا خبرة كبيرة في إدارة الثروات بدأوا في استلام مناصب قيادية في هذه المؤسسات، وبالأخص في دول مجلس التعاون الخليجي، مما يعزز الثقة ويمزج بين الخبرات الأجنبية والمحلية لصالح تنمية الثروات، التي تملكها مؤسسات الاستثمار في دول المنطقة. في المقابل على بنوك الاستثمار العالمية أن تعيد النظر في ممارساتها السابقة، إذ إنها تعمل في ظروف دولية تختلف تماماً عن العقود الثلاثة الماضية، التي انفردت فيها بإدارة الثروات وتقديم الاستشارات، فالوعي الاستثماري وامتلاك كوادر محلية مؤهلة ومدربة تدريباً جيداً غيّر كثيراً من المعادلة، وفرض مستجدات ومتغيرات، يمكن أن تساهم في إيجاد تعاون مثمر وصحي بين بنوك الاستثمار العالمية، التي تملك خبرة واسعة وبين مؤسسات الاستثمار في مختلف بلدان العالم، والتي أضحت أكثر وعياً وقدرة على إدارة استثماراتها، مما سيعود بالفائدة على الأطراف كافة.