كانت طريقة وفاة الفنان الأميركي الكوميدي روبن ويليامز فرصة لتعميق الحفرة التي ندفن فيها رؤوسنا، فقد انتحر الرجل إثر نوبة اكتئاب بشنق نفسه بوساطة حزام بنطاله، وكتب محمد العريفي، أحد أشهر الدعاة المسلمين، وأكثر العرب متابعة في «تويتر»، تغريدة ربط فيها بين انتحار الممثل وبين كونه غير مسلم. والعريفي ليس مجرد واعظ ديني، وليس مهماً عدد متابعيه في مواقع التواصل الاجتماعي الذين بلغوا 9 ملايين في «تويتر»، و13 مليوناً في «فيس بوك»، ولا يهم إن كان متابعوه حقيقيين أم مجرد حسابات وهمية تُعرض للبيع لمن يدفع أكثر، فهو يمثل طريقة تفكير سائدة في مجتمعاتنا لا تقتصر على فئة الوعاظ ومن يسير خلفهم، بل إن مغنية خليجية تنتمي لأسرة فنية انتقدت التعاطف مع الممثل المنتحر، وحمدت الله هي أيضاً على نعمة الإسلام. وتقريباً، لا تمر حادثة انتحار أو جريمة قتل أو اغتصاب أو عقوق أو خيانة زوجية أو فساد أخلاقي.. الخ، يتورط فيها شرقي أو غربي غير مسلم، إلا فتح هؤلاء الدرج وأخرجوا القائمة الطويلة: «نحن خير أمة.. نحن أمة الوسط والشهداء على البشرية.. الحمد لله الذي عافانا وابتلى غيرنا.. الحمد لله على نعمة الإسلام». وألف الحمد لله على نعمة الإسلام، ومن حق المسلم أن يفخر بدينه، كما يفخر أتباع بقية الأديان بمعتقداتهم على أية حال، لكننا أمة منكوبة، الآن، وفي هذه اللحظة، وكنا كذلك، ولا نزال، وقد نبقى في النكبة إلى ما شاء الله، وليس الوقت وقت نوم، ولا إبر تخدير، ولا تمثيل دور الأستاذية على البشرية، وإنما وقت رش الماء البارد على رؤوسنا، لعلنا نستيقظ على واقعنا. ووقت ضربات المطرقة على أوهام تفوقنا، لعلنا نتلمس طريقنا وسط ركام الادعاءات. ووقت ثني الركب أمام الأمم التي تقود العالم، لعلنا نتعلم منها شيئاً مفيداً. وربما لا تسجل دولنا حالات انتحار كثيرة، وهذا لا يمكن إثباته أو نفيه أصلاً، لأن أرقامنا وإحصاءاتنا غالباً ما تكون «مضروبة»، لكن بعض دولنا نفسها تشهد يومياً حالات لجز الرؤوس على مراحل، أي تمرير السكين على رقبة الضحية ببطء، ليتمكن المصور من تصويره وهو يغرغر بروحه. وفي بعض دولنا فقط، تعلق الجثث على أعمدة الكهرباء وأسياج الحدائق وإشارات المرور. وفي بعض دولنا فقط، يقطع الأب رأس شخص، ثم يسلم الرأس لولده الصغير ليلتقط صوراً معه، كأنها درع تفوق أو كأس بطولة، حتى يكاد المرء يخجل من أن يفتح فمه بكلمة عن القبائل المتوحشة في أدغال أفريقيا وغابات الأمازون. وفي أي مكان في العالم يفجّر انتحاري نفسه في سوق شعبي مكتظ بالبسطاء، ثم يفجّر انتحاري آخر نفسه أمام باب الطوارئ في أقرب مستشفى من السوق، ثم بعد أيام يفجّر انتحاري ثالث نفسه أمام بيوت عزاء من قضوا في السوق وأمام المستشفى؟! وفي أي مكان في العالم يسقط قتلى على إثر احتجاجات قاموا بها على تبرئة متهمين في قضايا قتل متظاهرين آخرين، ويكون من سقطوا احتجاجاً على تبرئة المتهمين، أكثر من الذين قتلوا في المظاهرات نفسها؟! في أي مكان في العالم تثقب الأجساد بالـ«دريل»؟! في أي مكان في العالم يرمي الطيار براميل النار على رؤوس أبناء شعبه؟! في أي مكان في العالم يلقى أشخاص مقيدة أيديهم وأرجلهم في حفرة تستعر فيها النيران وهم أحياء؟! وبعد كل هذا يتساءل العريفي في تغريدته: هل انتحر مسلم في بورما أو سوريا؟!