يعكس التقرير الأخير الذي أصدرته منظمة «هيومان رايتس ووتش» المدى الذي انحدرت إليه هذه المنظمة في تسييس تقاريرها، والانتقائية التي حولت عملها إلى متاجرة بحقوق الإنسان في العالم، وهو ما يرسخ حقيقة فقدان هذه المنظمة لسمعتها، وفقدان الثقة في مصداقية أي تقارير تصدرها، فالتقرير الذي أصدرته المنظمة من بيروت حول فض اعتصام الإخوان المتأسلمين في رابعة، جاء بمناسبة حلول الذكرى السنوية لهذا الحدث الذي أراد «الإخوان» تحويله إلى جنازة يشبعون فيها لطماً، ليجعلوه رمزاً للابتزاز السياسي والمظلومية الزائفة. التقرير الذي كان متحيزاً بشكل سافر، وافتقر إلى المهنية القانونية، كانت له خطة مبيتة منذ ثلاثة أشهر، قصة وصلت حد التآمر بين قيادات «الإخوان» الإرهابية الهاربة من مصر، والتي كانت مشاركة في الاعتصام ومنظمة «هيومان رايتس ووتش». ولعل أهم الانتقادات المهنية للتقرير جاءت من قبل منظمات حقوق الإنسان المصرية، التي سبقت هيومان رايتس إلى التحقيق في أحداث رابعة بشكل مهني، بعد أن استمعت إلى شهادات جميع الأطراف ذات العلاقة بالاعتصام، بينما استندت هيومان رايتس في تقريرها الكاذب إلى شهادة القيادات الإخوانية الهاربة إلى الخارج، في تواطؤ مكشوف هدفه إدانة الشرطة المصرية في أحداث فض الاعتصام، واعتبار ذلك جرائم ضد الإنسانية، حتى يتمكن «الإخوان» من استغلال هذا التقرير لتقديمه إلى محكمة الجنايات الدولية، والسعي لفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على مصر. لماذا اختارت هذه المنظمة ذكرى فض اعتصام رابعة وبعد هذه المدة الطويلة للتحقيق في موضوع سبقتها إليه منظمات أخرى؟ ولماذا لم تتعاون مع هذه المنظمات المستقلة الموجودة في مصر إذا كانت تريد إجراء تحقيق نزيه وغير مسيس؟ ولماذا حاولت الدخول بشكل غير قانوني إلى مصر بتأشيرات سياحية، محاوِلةً القفز على مقتضيات السيادة الوطنية المصرية التي تعطي لأي دولة الحق في قبول أو رفض دخول أي شخص أو منظمة أجنبية؟ ولماذا لم تدخل المنظمة بشكل رسمي بعد الحصول على إذن من السلطات المصرية المعنية إن كانت فعلاً تريد إجراء تحقيق نزيه، يحرص على الاستماع إلى شهادات جميع الأطراف والشهود الذين شهدوا أحداث رابعة، سواء من ذوي الضحايا أو رجال الشرطة أو الحقوقيين أو الأشخاص والهيئات الأخرى؟ بغض النظر عن التقارير الإعلامية التي أكدت أن «هيومان رايتس ووتش» تلقت مبلغ عشرة ملايين دولار لإعداد هذا التقرير المتحيز بهدف إحراج مصر على الصعيد الدولي، من خلال استغلال ذكرى فض الاعتصام، فإن صدور التقرير في هذا التوقيت يثير الكثير من علامات الاستفهام إذا ما وضعناه في السياق السياسي العام. فما هي العلاقة بين التقرير وقرار الكونجرس الأميركي الأخير بخفض المساعدات الاقتصادية لمصر بقيمة أربعمائة مليون دولار، واشتراطه إجراء تحقيق دولي في أحداث رابعة؟ ألا يدل ذلك على تسييس «هيومان رايتس ووتش»، واعتبارها أداة من أدوات السياسة الخارجية الأميركية؟ وما هي العلاقة بين قرار الكونجرس الأميركي وزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى روسيا، وإبرامه عدداً من الاتفاقيات الهامة مع روسيا، باعتبار أن جنوح القيادة الجديدة في مصر إلى الاستقلالية في قراراتها وتوجهاتها يشكل مصدر إزعاج للإدارة الأميركية؟ وما علاقة التقرير بالفتوى التي صدرت عن قيادة «الإخوان» الإرهابية، التي طلبت من أتباعها دق أعناق عناصر الجيش والشرطة المصرية من خلال مواجهات عنيفة معهم في ذكرى فض الاعتصام، بل إن القيادي الهارب محمد الصغير طالب أتباع الجماعة بأكل قلوبهم، مستحضراً ممارسات «الإخوان» الإجرامية في سوريا؟ هذه المنظمة نفسها كانت لها مواقف عدائية مع دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ أن بدأت الدولة في مواجهة الخلايا الإرهابية التي استماتت في التخطيط للنيل من نهضة الدولة ومجتمعها وقيادتها، فقابلت «هيومان رايتس ووتش» ذلك باستهداف ممنهج، وأصدرت ضدنا التقارير المفبركة والمجافية للحقائق، ما جعل الكثيرين يتساءلون عما إذا كان تقرير «هيومن رايتس ووتش» يتحدث عن الإمارات أم عن دولة افتراضية أخرى! فالإمارات التي احتضنت هذا الكم الهائل من جنسيات العالم، ووفرت لهم الحياة الحرّة الكريمة، وجسدت نموذجاً غير مسبوق في النهضة المحروسة بالطمأنينة والاستقرار، ما كانت لتكون الوجهة المفضلة لسياح العالم بأجمعه، ولا البقعة الأكثر تفضيلاً في المنطقة للعمالة الباحثة عن لقمة الاستقرار والعيش الكريم، ولا كانت قد حققت لقب الرفاهية العالمي.. لو كان يحدث فيها ما ذهب إليه التقرير الصادر عن «هيومان رايتس ووتش». فهذه المنظمة وما شاكلها من منظمات استهدافية، تنتهج دائماً طرقاً للدفاع عن الإرهابيين وتصويرهم كناشطين حقوقيين أو دعاة إصلاح، ناسية أو متناسية أن قوانين الدولة صممت لسكان معظمهم يدين بغير ما تدين به دول الغرب، وللديانة في كل مكان أثرها الواضح في سن القوانين، وناسية أو متناسية أيضاً أن هذه القوانين وفّرت لسكان البلاد أمناً لم توفره مختلف قوانين العالم، ورفاهية لم توفرها القوانين الأخرى، وجعلت الدولة حلماً للقاصي والداني، وهو مالم توفره الكثير من القوانين، والأهم من ذلك كله، أن هذه القوانين ارتضاها شعب الإمارات واقتنع بها، وشهد نتائجها وقطف ثمارها، فالشعب يريد تلك القوانين، ولا توجد قوة في الدنيا تجبره على مالا يريد، حتى لو ملأت العالم كله بالتقارير المفبركة الزائفة. شخصياً، كنت موجوداً في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في مدينة جنيف السويسرية، عندما اعتمد المجلس في شهر يونيو 2013 التقرير الثاني لدولة الإمارات للاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان في الدولة، وسط إشادة جميع المشاركين من مختلف الدول والمنظمات أثناء تداول تقرير الإمارات في المجلس، باستثناء مندوب منظمة «هيومان رايتس ووتش» الذي كان يزمجر في كلامه بالأكاذيب، في صيغة هلامية مضلة، مستميتاً في الدفاع عن أعضاء الخلية الإخوانية الإرهابية رغم أدلة إدانتهم، مما يجعل المرء يتساءل عن سر العلاقة بين «الإخوان» وهذه النوعية من المنظمات. هذا هو ديدن «الإخوان» دائماً، فلا حرج لديهم في التعامل مع القوى والمنظمات الأجنبية، وخيانة أوطانهم من أجل الوصول إلى السلطة أو الاحتفاظ بها، وهو داء امتد إلى العناصر الإخوانية في دول الخليج التي تنبهت لمكائدهم ودسائسهم، وحسناً فعلت الحكومة الكويتية أخيراً عندما أسقطت الجنسية الكويتية عن الإخواني المتطرف نبيل العوضي، الذي خان البلاد التي آوته واحتضنته وباعها بالولاء لجماعة «الإخوان». هذا التوجه كانت دولة الإمارات قد سبقت الكويت إليه لأن الجزاء من جنس العمل، فلا يحق لمن خان بلداً منحه جنسيته وحقوق مواطنيه، أن يطعنه في الظهر لمصلحة جماعات الإرهاب والإجرام.