خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، أكد رئيس الوزراء المنتخب «ناريندرا مودي»، أن الأولوية في سياسته الخارجية سوف تتركز على تحسين علاقات الهند مع الدول المجاورة. ولقد بدأ الآن بوضع وعده موضع التنفيذ. وفي أول زيارة له بوصفه رئيساً لوزراء الهند، حلّ «ناريندرا» في دولة «بوتان»، وهي مملكة صغيرة مجاورة تربطها علاقات متميزة مع الهند. وسيحل في زيارته الثانية ضيفاً على نيبال، وهي دولة تحظى باهتمام خاص في السياسة الخارجية الهندية، ولقد اجتازت مؤخراً فترة من الاضطرابات السياسية. وتحظى الهند بنفوذ فعال وتقليدي في نيبال، وهي دولة حبيسة (لا تطل على أي بحر)، تحيط بها الصين من حدودها الشمالية والهند من الجنوب والشرق. ولقد واجهت الهند الكثير من الانتقادات بسبب فرض ما يشبه حالة الوصاية على جارتها الصغيرة. وكثيراً ما كانت تتعالى أصوات بعض الأحزاب النيبالية لتتهم الهند بمحاولة زيادة نفوذها في نيبال، وتغيير واقع سوق الاستثمار في الطاقة الكهربائية فيها. وأما الهند، فترى أن هذه الادعاءات لا تعدو أن تكون مجرّد خدعة تستخدمها بعض الأحزاب السياسية النيبالية لصرف انتباه الشعب عن الفوضى السياسية التي تعم البلد. وبدا للمراقبين أن الخلافات المستحكمة بين الأحزاب السياسية النيبالية أدت إلى فشلها في الاتفاق على وضع دستور للدولة منذ نهاية العهد الملكي عام 2008، ما أدى إلى غرق الدولة في حالة من عدم الاستقرار السياسي المتواصل. وعلى الرغم من أن الحكومة الهندية السابقة بزعامة حزب «المؤتمر» كانت خلال السنتين الماضيتين غارقة بالمشاكل المحلية، وعلى رأسها تباطؤ النمو، فإن الحكومة الصينية كانت تواصل حملة التغلغل في صلب الحياة السياسية النيبالية بعد أن أدت القلاقل السياسية في هذه الدولة الصغيرة إلى مشاكل اقتصادية مستعصية، مثل النقص المتزايد في الطاقة الكهربائية. وعلى الرغم من أن قدرة نيبال على إنتاج الكهرباء من السدود والشلالات تصل إلى 45 ألف ميجاواط، فإنها تولّد منها 660 ميجاواط فقط. وتتولى الصين الآن تمويل محطتين كهربائيتين في نيبال باستطاعة إجمالية تبلغ 810 ميجاواط. يحدث هذا في وقت أصبحت فيه المشاريع الكهربائية الهندية في نيبال عالقة في معمعة المفاوضات التي لا تكاد تنتهي والخلافات السياسية المحلية. والآن تأتي زيارة «مودي» لتنعش الآمال من جديد من أن تعود العلاقات الهندية- النيبالية إلى سابق عهود ازدهارها. وهو الذي أعلن مؤخراً عن مساعدة تنموية لنيبال بقيمة مليار دولار. وهذه هي المرة الثانية التي تقدم فيها الهند مثل هذه المساعدة الضخمة لنيبال وتتعهد فيها بتقديم الدعم لاقتصادها. وتدور بين البلدين الآن مفاوضات لبناء محطات كهرومائية جديدة. وفي أثناء خطابه أمام أعضاء المجلس الدستوري النيبالي، وعد «مودي» أيضاً بألا تتدخل الهند في الشؤون السياسية الداخلية لنيبال، وأكد أن الهدف الأساسي الذي تسعى له الهند يقتصر على مساعدة نيبال لبناء الطرق السريعة، وتطوير قطاع تكنولوجيا المعلومات، وتطوير شبكة خطوط نقل الطاقة الكهربائية. ولا تستطيع نيبال توظيف رؤوس أموال للاستثمار في قطاع الطاقة الكهربائية في الهند. وبهذا تحرم نفسها الفرصة التي استغلتها جارتها «بوتان» التي ارتفعت مبيعاتها من الطاقة الكهربائية للهند إلى المستوى الذي أسهم في بناء اقتصاد يحقق لها أعلى دخل فردي في جنوب آسيا. ويبلغ متوسط الدخل الفردي على المستوى الوطني في نيبال 610 دولارات، فيما بلغ في بوتان 2292 دولاراً عام 2011. واشتهر «تشيرينج توبجاي» رئيس وزراء «بوتان» الذي أتى إلى السلطة عن طريق انتخابات نظمت مؤخراً، بتفاؤله الشديد من توافر المساقط المائية والشلالات في بلاده التي وصفها بأنها «مصدر للثروة أتى بفضل الله»، وأصبح يدرّ على بلده ثروة ضخمة من العملات الأجنبية. وتعمل الآن الهند وبوتان على تنفيذ سبعة مشاريع لإنشاء محطات توليد هيدروليكية يمكنها أن تولد 10 آلاف ميجاواط من الطاقة الكهربائية خلال السنوات السبع المقبلة بالمقارنة مع 1500 ميجاواط تصدرها بوتان إلى الهند الآن. وتهدف زيارة «مودي» أيضاً إلى تطوير العلاقات مع بوتان التي وصفت بأنها ممتازة بطبيعة الحال. ومن المعروف عن منطقة جنوب آسيا أنها تعاني نقص التكامل والتعاون السياسي والاقتصادي بسبب الافتقاد للثقة الذي يسود العلاقات بين الهند وباكستان. ومودي الذي جاء إلى السلطة وهو يرفع لواء التنمية، يعتقد بأن تطوير الروابط مع الدول المجاورة يعدّ أيضاً طريقة لزيادة الرخاء والنمو في المنطقة. ولقد كان واضحاً كل الوضوح عندما قال إنه يعتزم الرفع من معدل النمو الاقتصادي في الهند حتى يساير المكاسب التنموية العالية التي تحققها الدول المجاورة للهند. ولا شك أن الاستقرار السياسي يحظى بالأهمية القصوى في عقلية «مودي» من أجل زيادة التنمية والرخاء في المنطقة. وحتى مع باكستان، كان «مودي» سباقاً لبذل الجهود لتطوير العلاقات الثنائية منذ اليوم الأول لتسلمه السلطة في شهر مايو الماضي. ولقد حقق حزب مودي «بهاراتيا جاناتا» نصراً مشهوداً وفاز بالأغلبية لأول مرة في تاريخ هذا الحزب القومي. وخلافاً للحكومات السابقة، والتي كانت تتشكل من ائتلاف مزيج من ستة أحزاب، لكل منها مصالحه الإقليمية المناقضة للآخر، فإن «مودي»، بسبب فوزه الساحق، أصبح قادراً على تخطي كل الصعاب التي يمكن أن تعرقل مساعيه الحثيثة لتحسين العلاقات المتوترة مع دول الجوار. وخلال اليوم الأول لتسلمه مقاليد السلطة رئيساً للوزراء، عقد سلسلة اجتماعات منفصلة مع قادة كل من أفغانستان وسريلانكا وبوتان وجزر موريشيوس والمالديف. وخلال الأسابيع المقبلة، وبناء على مبادرة من قيادتي البلدين، سيتم عقد لقاء بين وزيري خارجية الهند وباكستان للبحث في سبل إعادة إحياء عملية السلام بينهما. وفيما لا تزال هناك بعض الشكوك الضعيفة فيما إذا كان في وسع «مودي» بالفعل أن يحسن العلاقات بين الهند وجاراتها، إلا أن مؤشرات تحسن المناخ السياسي العام في المنطقة بدأت تظهر للعيان. د.ذِكْرُ الرحمن رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي