ـ ـ ـ ـ ـ هل تعمل الحكومة الأميركية بشكل أفضل إذا تم تقييد ولاية الرئيس بفترة واحدة قد تكون مدتها ست سنوات مثلاً؟ ـ ـ ـ ـ ـ لم تصل خيبة الأمل في واشنطن لمستوى أعلى مما هي عليه الآن إلا نادراً. والكونجرس لا يستطيع التحرك حتى في مجالات معينة. وهناك اتفاق واسع النطاق بضرورة اتخاذ إجراءات مثل الهجرة والإنفاق على البنية التحتية وإصلاح الضرائب على الشركات. وتتعرض إدارة أوباما- عن حق أو عن باطل- لإدانة متزايدة بأنها غير فاعلة. وطوفان الأشخاص الموهوبين بشكل استثنائي الذين كانوا يتدفقون على الحكومة رغبة في العمل، تقلص إلى مجرد قطرات، وظل الكثير من المناصب الحيوية شاغرة لشهور أو ربما لسنوات. ولا يمكن التوصل لتوافق حزبي فيما يبدو في التحديدات شديدة الأهمية طويلة الأمد مثل تغير المناخ واستراتيجية الأمن الوطني والحاجة إلى تعزيز برامج المخصصات بطريقة مسؤولة مالياً. ومن المغري، إلقاء اللائمة في كل هذا على فشل قيادة صانعي السياسة الكبار. ويُسهم في الأمر أيضاً العوامل البنيوية مثل الاستقطاب المتزايد لجمهور الناخبين، والدور المتزايد الذي من المؤكد أن المال يلعبه في السياسة. والأمر يستحق وضع المخاوف الحالية في سياق السياسة الأميركية شديدة الانتظام. فمن الواضح أن فترات الولاية الثانية صعبة للغاية دون استثناء تقريباً للرئيس وفريقه وللحكومة وللبلاد. ودعنا نلقي نظرة على التاريخ: بدأ جورج بوش فترة ولايته الثانية بمسعى غير مثمر لإصلاح التأمين الاجتماعي، ثم حلت كارثة إعصار «كاترينا» وانزلقت البلاد في أزمة مالية. وأهم إجراءات بوش السياسية، وهي عمليات الخفض الهيكلي الكبيرة في الضرائب وإعادة تحديد الدور الاتحادي في التعليم وإدخال إعانات الدواء على برنامج ميديكير وإعادة توجيه استراتيجية الأمن الوطني تجاه خطر الإرهاب، كلها حدث في فترة الولاية الأولى. وستظل فترة الولاية الثانية في رئاسة بيل كلينتون مرتبطة في الأذهان بفضيحة مونيكا لوينسكي، وتوجيه مجلس النواب الاتهام للرئيس بعدم الأهلية للمنصب. وأهم إنجازات كلينتون التشريعية مثل الإجراءات الكبيرة لتحقيق التوازن في الميزانية، وإصلاح نظام الرعاية الاجتماعية لدعم العمل بدلاً من التبعية، وتوسيع مزايا التأمين الصحي، كلها حدث في فترة ولايته الأولى. وشابَ فترة الولاية الثانية لرونالد ريجان فضيحة «إيران كونترا»، والإحساس بأن الرئيس بمنأى عن الكثير من عمل إدارته. وبينما كان قانون إصلاح الضرائب لعام 1986 مهماً، فأهم ما بقي من «ريجان» يتمثل في الخفض الكبير للضرائب والنفقات ورفع القيود عن الأسواق وتعزيز كبير للقدرات العسكرية، وجميعها حدث إلى حد كبير في فترة ولايته الأولى. وفترة الولاية الثانية لريتشارد نيكسون لم تكتمل بسبب استقالته بسبب فضيحة «ووترجيت»، وأهم إجراءات سياسية اتخذتها إدارته مثل الانفتاح على الصين والانسحاب من فيتنام والقيام بدور اتحادي كبير على المستوى البيئي، حدثت جميعها في فترة الولاية الأولى. وفي فترة الولاية الثانية لدوايت ايزنهاور، استقال كبير موظفي البيت الأبيض وساد الإحساس أن البلاد تعاني ترهلاً خانقاً. ولا يوجد ما يمكن مقارنته ولو من بعيد بإنجازات الفترة الأولى مثل الانسحاب من كوريا، والبدء بنظام للطرق السريعة بين الولايات. وكان من أبرز ملامح فترة الولاية الثانية لـ«هاري ترومان» حرب كوريا والفضائح ومستوى التأييد الشعبي المنخفض بشكل استثنائي. وأهم ما تبقى منه يتمثل في مشروع مارشال واستراتيجية الاحتواء والتركيز في فترة ما بعد الحرب على تعزيز الاقتصاد والدعم الاتحادي للإسكان، وجميعها حدثت في فترة ولايته الأولى. وفترة الولاية الثانية لفرانكلين روزفيلت كانت أقل فترات رئاسته نجاحاً، لأنها شهدت فشل مسعاه لتعيين قضاة في المحكمة الدستورية، وحدوث كبوة اقتصادية كبيرة عام 1938، ولم يحقق فيها إنجازات تقترب ولو من بعيد بالصفقة الجديدة أو سنوات قيادته للبلاد في أثناء الحرب العالمية الثانية. فترات الولاية الثانية قد يكون لها كلفة إضافية كبيرة. وجانب كبير مما يفعله الرؤساء في فترات ولاياتهم الأولى، خاصة في النصف الأخير منها، يوجه لإعادة انتخابه، وليس لأي هدف آخر أطول أمداً. هل تعمل الحكومة الأميركية بشكل أفضل إذا تم تقييد ولاية الرئيس بفترة واحدة قد تكون مدتها ست سنوات مثلاً؟ والسجل غير الجيد لفترات الولاية الثانية تشير إلى أن المسألة تستحق الطرح للنقاش. والسجل التاريخي يساعد في إقامة الحجة من أجل التغيير. وما يجعل الحكم على السجل التاريخي ليس اعتباطياً على أي حال هو ما يوحي به مصطلح «البطة العرجاء»، وهو الذي يشير إلى الزعماء الذين أوشكوا على نهاية فترة ولايتهم في المنصب وهم يفقدون القدرة على التأثير على الفاعلين الآخرين بتقديم مكافآت للمستقبل أو عقوبات أو طرح صفقات متعلقة بالمستقبل. وإذا كان هذا هو السبب الرئيسي في أن الفترة الثانية صعبة، إذن فإن التخلص من احتمال إعادة الانتخاب قد يحل المشكلات. وهذا هو السبب الذي يجعل الكثير من الباحثين ينظرون إلى القيود الدستورية الحالية المتعلقة بفترتين رئاسيتين باعتباره يمثل إشكالية. لكن مع إعادة النظر في الخبرة البائسة إلى حد كبير لفترات الولاية الثانية، اعتقد أن المشكلات التي يتسبب فيها تأثير وضعية «البطة العرجاء» أصغر بكثير من تلك التي يتسبب فيها المزيج المسمم من الإرهاق والغطرسة بعد الجهود الاستثنائية التي يتعين على الرئيس وفريقه أن يبذلوها لتحقيق إعادة الانتخاب. لكن القضية تتطلب المزيد من الدراسة والجدل. وفي ليلة إعادة الانتخاب، يتوقع كل رئيس أعيد انتخابه أن يهزم لعنة فترة الولاية الثانية. ومنذ الحرب الأهلية، على الأقل، لم يستطع أحد تحقيق هذا النصر. وحكمنا رؤساء أعيد انتخابهم لما يقارب 40 في المئة من سنوات القرن الماضي. لقد آن الأوان للتفكير على المستوى الوطني لإدخال إصلاح. ـ ـ ـ لورانس سمرز أستاذ بجامعة هارفارد ورئيسها السابق ووزير الخزانة الأميركي السابق ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»