تساؤلات كثيرة مطروحة الآن حول التوسع وتفاقم الخطر السريع لتنظيم «الدولة الإسلامية» المعروف باسم «داعش» الذي سيطر على جزء من أراضي العراق وسوريا، ويدخل اليوم في مواجهات عسكرية مع الأكراد والقوات العراقية. ومما يلفت الانتباه أن هذا التنظيم الذي ينتمي للفصائل «الجهادية» المتطرفة قد يكون لديه من التعداد والمال ما يفوق التوقعات، مما قد يمكنه من المقاومة من جانب، ومن جانب آخر يزيد احتمالية خلق الاضطرابات والقلاقل في المدى الجغرافي الذي ينتشر فيه هذا التنظيم الإرهابي. وتنظيم «داعش» يحاول استغلال وسائل سيكولوجية وتقنية في كيفية التسويق لفكره الإرهابي، وهو يسعى لاستقطاب شباب مغرر بهم سواء من المسلمين أو حتى من غيرهم، وخصوصاً الشباب الذين يشعرون بالإحباط والضيق. وهو يتحرك الآن ليتحول إلى تحدٍّ إقليمي، إضافة إلى تحرك تنظيمات «جهادية» أخرى في اليمن وأفريقيا وآسيا، وقد تكون قوته وصلت إلى ما يفوق 10 آلاف مقاتل يؤمنون بالإيديولوجية الإرهابية. وربما يلاحظ أن انتشار تنظيم «داعش» وتفاقم خطره، وافق المرحلة التي تم فيها إبعاد جماعة «الإخوان المسلمين» من دفة الحكم في مصر، وخصوصاً إذا ما وضعنا في الاعتبار ارتفاع وتيرة العنف المسلح في مصر أيضاً، مما يؤكد وجود بعض من الخيوط تترابط بين التنظيمات الدينية المتطرفة. وعلى المستوى الغربي، وتحديداً الأميركي، كان من الواضح أن هناك تحضيراً لمرحلة جديدة في الشرق الأوسط تفرض فيها على بعض الدول جماعات الإسلام السياسي، اعتقاداً من هذه المدرسة أن الوصول إلى السلطة قد يبعد شبح الإرهاب، وأن انخراط الإسلام السياسي في العملية الديمقراطية قد يغير مسار الفكر «الجهادي»! ولكن ثبت على أرض الواقع تهافت ذلك الطرح، حيث اتضح أن التنظيمات الإسلامية السياسية لا تطمح لفكرة الديمقراطية الليبرالية، بقدر ما تسعى فقط للوصول إلى السلطة لإقامة فكرة «الخلافة» المزعومة! وهي في الحقيقة وفي دخيلة نفسها تحمل الفكر العدائي للثقافة الغربية، وستعمل على خلق مواجهات حضارية إذا ما تحقق لها الوصول إلى السلطة في بعض الدول. وعندما ثار الشعب المصري على حكم «الإخوان المسلمين» وأسقط نظامهم، وساندت دول عربية مصر بقيادتها الجديدة وأعلنت موقفها من حكم «الإخوان» المنهار، أصبحت المواجهة معلنة بين «الإخوان» وتلك الدول التي أعلنت عن موقفها بشجاعة، مما جعل تنظيم «داعش» يعلن بين الفينة والأخرى عن رغبته في التوسع والتمدد في خريطة ما يسميه «الدولة الإسلامية». هذا إضافة إلى التحول الخطير واللافت للانتباه أصلاً الذي يتجسد في الإعلان عن تأسيس «دولة الخلافة الإسلامية» المزعومة، ولعل هذا التحول يعد أحد أهم المنعطفات في الفكر الإرهابي الذي قاد من قبل إلى أحداث سبتمبر في أميركا، مما يعني أن الأدوات تتغير بسرعة كبيرة، والأخطر أن «داعش» يعلن عن نفسه ووجوده ولم يعد يتخفى في الجبال كما كان حال تنظيم «القاعدة» في أفغانستان. ولاشك أن الدول الغربية لديها مخاوف من هذا التفاقم للفكر «الجهادي» لأن خطره يتعدى الحدود الجغرافية، وخصوصاً أن هناك أعداداً تقدر بآلاف من المسلمين الغربيين الذين هم مواطنون يحملون جنسيات بعض من الدول الغربية وهم يرتبطون بالفكرة «الجهادية» المعادية للثقافة الغربية، وبالتالي يعتبر الخطر قائماً على الغرب أيضاً وليس محصوراً في حدود جغرافية بعينها. وفي ظل هذا الغموض والخطر المتصاعد من قبل جماعات عنف وتنظيمات مثل «داعش» نجد في المقابل غياب السياسة العملية ذات الملامح الواضحة من بعض الدول العربية، ومن مؤسساتها المشتركة ممثلة في الجامعة العربية، أو مجلس التعاون الخليجي، على الرغم من كل التصريحات المعتادة، مما يعني أن التداعيات ما زالت غير مدركة في جوانبها الشمولية، وأن التحرك الوقائي ما زال غير متّبع في كيفية التعامل مع الظروف الإقليمية المعقدة.