عندما سجّلن في «قوات الحرس الوطني» بولاية إنديانا الأميركية، لم تكن النساء الثلاث اللائي يدور حولهن كتاب «هيلين ثورب» الجديد، «الفتيات المجندات»، يتخيلن أبداً أنه سينتهي بهن الحال إلى منطقة حرب في العراق أو أفغانستان. وسجلت «ميشيل فيشر»، التي كانت مولعة بالموسيقى وتدخن القنب، في الحرس الوطني لأن ذلك كان يمكّنها من دفع مصروفاتها الدراسية والعيش في الحرم الجامعي. أما «ديبي هيلتون» التي كانت مديرة صالون تجميل، فسجلت في «الحرس الوطني» في ثمانينيات القرن الماضي، رغبةً في التشبه بوالدها، الذي كان جندياً في الجيش، وكانت واحدة من المجندات الرائدات اللاتي اندمجن في الوحدة، وبحلول عام 2001، وعندما بلغت التاسعة والأربعين من العمر، أصبحت بمثابة أم للمجندين والمجندات في وحدتها. وتشير «ثورب» إلى أن الانضمام للحرس الوطني منح «ديبي» مجتمعاً وطريقة للاتصال بدائرة أكبر، ووسيلة لدمج نفسها في جماعة تكنّ لها الاحترام والتقدير. أما بطلة الكتاب الثالثة فهي «ديسما بروكس» التي سجلت في عام 1996، فحثّها صديقها على الانضمام إلى الحرس الوطني، ليكون سبباً في زواجها وإنجابها ثلاثة أطفال، ومن ثم وجدت نفسها تعتمد على راتب شهري تحصل عليه من وظيفتها الثابتة. لكن بعد أسبوع من بدء حرب العراق في مارس 2003، ذهلت عندما عرفت أنها سترسل إلى المعركة، وقضت ثلاثة أيام تبحث عن مكان يعيش فيه أطفالها. وتحاول «ثورب»، وهي مراسلة حرب سابقة، سرد الأحداث التي واجهت كل من «بروكس» و«هيلتون» و«فيشر» عندما تم نشر وحدات «الحرس الوطني» في المعارك. وتحاول منح القراء فهماً ديناميكياً لما يبدو عليه أفراد الحرس الوطني، الذين وجدوا أنفسهم على نحو غير متوقع ضمن خطوط الجبهة الأمامية في حربي أفغانستان والعراق، وكيف اضطربت حياتهم وخططهم وعانت أسرهم من الفوضى. وتتناول تسلسل الأحداث التي حولت حياة النساء الثلاث اللائي كن يعشن حياة مدنية عادية إلى مجندات، وكيف تأقلمن مع العزلة والملل والخوف من الخدمة في أماكن تمثل فيها الألغام الأرضية والقنابل المزروعة على جانب الطريق تهديداً مستمراً. وسلطت المؤلفة الضوء على الجدل الدائر بشأن إرسال النساء إلى الحرب؛ والصعوبات اللاتي تواجههن في الجيش والضغوط، التي تعرضت لها القوات الأميركية في حربي العراق وأفغانستان من خلال قصص حياة المجندات الثلاث بطلات كتابها. ويعتمد كتاب «الفتيات المجندات» على لقاءات شخصية أجرتها «ثورب» على مدى أربعة أعوام مع النساء الثلاث، غير أن واحدة منهن لم ترغب في ذكر اسمها الحقيقي، ويُشار إليها في أنحاء الكتاب باسم مستعار، كما تناولت المؤلفة معلومات جمعتها من بريدهن الإلكتروني ويومياتهن ورسائلهن وكتاباتهن وصورهن على مواقع التواصل الاجتماعي. وتبدو الصور التي يرسمها الكتاب للمجندات روائية في تفاصيلها العاطفية، إذ يبرز مدى الاختلاف في وجهات النظر السياسية والفلسفية للنساء الثلاث قبل خوضهن الحرب، والتأثير الذي أحدثته الجندية على حياتهن اليومية وعلاقاتهن عند العودة إلى الوطن. وتظهر بعض أجزاء الكتاب مفارقات ومخاطر وجود نساء في مناطق الحرب؛ لاسيما تركيز الانتباه بشكل كامل من الزملاء الرجال على أداء المجندات وصلابتهن. وتحولت النسوة الثلاث إلى صديقات أثناء وجودهن في حرب أفغانستان، وأصبحت كفاءتهن وقوتهن تضاهي زملاءهن الرجال، رغم أنهن عملن جاهدات للحفاظ على أنوثتهن في منطقة الحرب! وأشارت المؤلفة إلى أن المعركة الثانية كانت لها تداعيات خطيرة على «بروكس» و«هيلتون»، بينما أنهت «فيشر» عملها في «الحرس الوطني» في مارس 2007، ومكثت في الولايات المتحدة لإنهاء دراستها الجامعية، رغم أنها شعرت بالذنب إزاء عودة أفضل أصدقائها إلى حرب خطيرة. وأوضحت أن «هيلتون» خرجت من حرب العراق سليمة بدنياً، لكنها عادت إلى الوطن في حالة من الاكتئاب، تراودها أحلام مزعجة وتشعر بأن حياتها باتت بلا معنى. وأثناء وجود «بروكس» في مهمة بتكريت، تعرضت شاحنتها لانفجار قنبلة، وأصيبت في الانفجار بارتجاج وصداع مزمن وفقدان ذاكرة ونوبات من القلق والشعور بالخطر. واشتبه أحد الأطباء في أنها أصيبت بجرح في المخ، لكن لم يتم تشخيص حالتها بذلك، ولم تحصل على تعويض بسبب هذه الإعاقة. وعند عودتها، وجدت صعوبة شديدة في التعامل مع أطفالها، الذين اشتكوا من أن حرب العراق غيرتها. وفي عام 2013، تم اعتقال نجل «بروكس» بسبب اقتحام أحد المنازل، وواجه اتهامات بالسطو المسلح والسرقة بالإكراه والشروع في القتل، وعوقب بالسجن عشرين عاماً. وائل بدران الكتاب: الفتيات المجندات المؤلفة: هيلين ثورب الناشر: سكربنر تاريخ النشر: 2014