يعرف معظم الأميركيين قصة «شباب "بوانت دي أوك"»، أولئك الجنود الأميركيون الشجعان الذين تسلقوا أجراف نورماندي وحرروا فرنسا من الاحتلال النازي. غير أنه قبل 70 عاما، حُررت مدينة وارسو على أيدي شباب حقيقيين – معظمهم كانوا أطفالاً ومراهقين مسلحين بأسلحة صنعوها بأنفسهم وزجاجات حارقة – ساعدوا على استعادة العاصمة البولندية من الاحتلال النازي في الأول من أغسطس 1944، واحتفظوا بها طيلة 63 يوماً دموياً أبانوا فيها عن شجاعة قل نظيرها، وقد كانت والدتي واحدة منهم. كان من المفترض أن تدوم الانتفاضة ثلاثة أيام فقط، إلى أن يصل «الجيش الأحمر» من الشرق. ولكن بدلاً من أن يهبوا لمساعدة الثوار، آثر السوفييت التوقف والانتظار حتى يسحق الألمان الانتفاضة ويدمروا قيادة بولندا الحرة. ولكن الغرب أيضا تخلى عن بولنديي وارسو؛ فقد حاول و"ينستون تشرشل" إقناع الرئيس "فرانكلن روزفلت" بالضغط على "جوزيف ستالين" حتى يسمح لطائرات التحالف التي تنقل أسلحة إلى الثوار بالتزود بالوقود في قواعد عسكرية سوفييتية. وبعد أن رفض ستالين طلبهم الأول، قال تشرشل لروزفلت إن عليهم أن يحاولوا من جديد إرسال طائرات على أي حال حتى إذا رفض ستالين و«رؤية ماذا سيحدث». ولكن روزفيلت رفض. فقرر تشرشل إرسال طائرات على أي حال، ومات نحو 360 ملاحا جويا من بريطانيا وبولندا وجنوب أفريقيا في أجواء وارسو. وفي نهاية المطاف، أرسلت الولايات المتحدة مهمة جوية، ولكن ذلك كان بعد فوات الأوان. وعندما استسلم البولنديون في النهاية، أمر هتلر بتدمير وارسو كلياً. وبحلول ذلك الوقت، كان 85 في المئة من المدينة قد دمر، وكان نحو 200 ألف مدني و16 ألف عضو في «جيش الداخل» قد قُتلوا على أيدي الألمان. وبعد أسبوع على الاستسلام البولندي، سافر تشرشل إلى موسكو واصطحب معه رئيس وزراء حكومة بولندا في المنفى، الذي كان يعتقد أنه ذاهب للتفاوض حول حدود بولندا في مرحلة ما بعد الحرب. ولكن وزير الخارجية السوفييتي آنذاك أخبره بأن تشرشل وروزفلت تنازلا عن بولندا للاتحاد السوفييتي قبل عام من ذلك التاريخ في طهران. وبذلك، اكتملت الخيانة الغربية لبولندا! اليوم، وبعد مرور 70 عاما، تتكرر مأساة وارسو في أجزاء أخرى من العالم. ففي سوريا، عندما انتفض ثوار «الجيش السوري الحر» على نظام الأسد الوحشي وطلبوا المساعدة من الولايات المتحدة، لم تفعل أميركا شيئاً من أجلهم وسمحت بقتل نحو 200 ألف شخص – وهو العدد نفسه تقريباً الذي قضى في «انتفاضة وارسو». وفي العراق، عندما طالبت الحكومة على مدى عام بضربات جوية أميركية لمنع تقدم جيش «داعش» الإرهابي، قوبلت تلك الدعوات بالرفض على نحو متكرر؛ ثم عندما جاءت تلك الضربات الجوية أخيراً هذا الأسبوع وسط كارثة إنسانية واستراتيجية، كانت جد محدودة وجد متأخرة. وفي أوكرانيا، عندما طلبت كييف من واشنطن أسلحة لمحاربة اعتداء سوفييتي جديد، فإن كل ما وافقت الولايات المتحدة على إرساله هو «وجبات جاهزة للأكل». إن درس وارسو هو أن الكفاح من أجل الحرية هو كفاح لا يمكن الاعتماد فيه سوى على القدرات الذاتية. فأعداء الحرية يتميزون بالوحشية والتصميم، وأصدقاء الحرية لا يمكن التعويل عليهم في كثير من الأحيان. غير أنه في النهاية من المستحيل انتزاع الرغبة في الحرية من قلب الإنسان. وما على المرء إلا أن يسأل شباب وارسو! مارك تيسيين باحث بـ«معهد المشروع الأميركي»- واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"