في وقت ارتفع فيه عدد ضحايا الزلزال الذي ضرب المنطقة الجنوبية الغربية من الصين إلى 589 قتيلاً يوم الأربعاء الماضي، تصاعد الجدل حول ما إذا كان الإقبال الصيني الكبير على بناء السدود الضخمة يستحق النقد بسبب وقوع الزلازل مرات متكررة. واستغلّت فرق وطواقم الإنقاذ والبحث عن المفقودين، الطقس الجاف الذي ساد المنطقة في ذلك اليوم الصعب، وتمكنت من الوصول إلى التجمعات البشرية المنعزلة التي ضربها الزلزال بقوة 6.1 درجة على مقياس ريختير، وكان الأعنف والأكثر إزهاقاً للأرواح خلال السنوات الأربع الماضية وتم تحديد مركزه قريباً من مدينة "زهاوتونج" التابعة لإقليم "يونّان". وأثار الزلزال تساؤلات حول جدوى بناء السدود الضخمة المبرمجة في تلك المنطقة الجبلية، وخاصة عقب الزلازل الأضعف التي تكررت هناك بعد أن ارتفع منسوب المياه بشكل كبير العام الماضي في محطة "زيليودو" الكهرومائية، والتي تبعد بنحو 160 كيلو متراً فقط عن مركز زلزال الأحد الماضي. وكتب الخبير "وانج يانجشين" من جماعة "متطوعون لحماية الأرض الخضراء" في مدوّنته على الإنترنت: "لماذا تتكرر الزلازل في هذه المنطقة بالذات؟ لا يمكننا أن نفعل شيئاً أكثر من طرح هذا السؤال المحيّر". ومن المعروف أن الخزانات الضخمة من المياه تسبب ضغطاً على القشرة الأرضية يمكنه أن يسبب الزلازل على الرغم من أن الارتباط بين الأمرين يصعب إثباته. وكثيراً ما كان الإقبال الصيني على بناء السدود المائية الضخمة لتوليد حاجاتها المتزايدة من الكهرباء المائية، موضع انتقاد كبير من الخبراء، وخاصة لأن العديد منها تم بناؤه في مناطق تتميز بمخاطرها الزلزالية العالية جداً والمتكررة. وفي شهر مايو من عام 2008، تصاعد الخلاف من جديد حول هذا الموضوع بعد أن ضرب زلزال بقوة 8 درجات إقليم سيشوان وقتل 90 ألف شخص من ضمنهم ألوف الأطفال. ويعتقد بعض الجيولوجيين بأن من المحتمل أن يكون السدّ العملاق المبني هناك هو المسؤول عن حدوث الزلزال. إلا أن المهندسين الحكوميين المتخصصين في شؤون المياه والسدود قالوا إن الأرجح هو أن السدود تسبب الزلازل الصغيرة فتخفف بذلك من الضغط على القشرة الأرضية وتمنع حدوث الزلازل القوية. وبالرغم من هذه المزاعم غير المثبتة بالدلائل، فإن العلماء الصينيين التابعين للحكومة صعّدوا من مخاوفهم المتعلقة بهذا الموضوع. وقال "فان زياو" كبير مهندسي مكتب سيشوان للجيولوجيا والمعادن، إن أكثر من 2000 زلزال خفيف تم رصدها منذ ارتفاع منسوب المياه في سد "زيليودو" في شهر أكتوبر الماضي كان من بينها واحد بقوة 5.3 درجة تم رصده قريباً من المحطة الكهرومائية في شهر أبريل الماضي. وأضاف زياو قوله: "تتفق الآراء على أن ارتفاع منسوب المياه في المحطة المائية يمكن أن يقف وراء زيادة النشاط الحركي للقشرة الأرضية. وهذه الظاهرة مشابهة لتلك التي لوحظت في زلزال سيشوان عام 2008. ولا يمكننا بعد كل هذا أن ننكر احتمال أن تكون الزلازل المتكررة ذات علاقة بالسدود المقامة في المنطقة". وتخطط الصين لبناء واستكمال 25 سداً على نهر "جينشا" الذي يبلغ طوله 2240 كيلو متراً، وهو أحد روافد نهر يانجتسي الذي يخترق إقليم زهاوتونج. وكان الجيولوجي المستقل "يانج يونج" يصرح لعدة سنوات بأن السدود تشكل كارثة بيئية وتنطوي دائماً على الحوادث الخطيرة التي يمكن أن تقع في أية لحظة. والمنطقة معرضة لزلازل متكررة من بينها ذلك الذي حدث عام 1974 وبلغت قوته 7 درجات وأدى إلى مقتل 1400 شخص. ولن ننسى أيضاً خطر تصدّع جدران السدود بسبب الزلازل ما قد يسبب تدفق السيول وقتل كل من يقف في طريقها. وصدر عن وكالة الأنباء الوطنية الصينية "شينخوا" هذا الأسبوع تقرير يقول إن بحيرة ضخمة تشكلت نتيجة لانزلاق الطبقات الأرضية الناتج عن زلزال الأحد الماضي. وأشار التقرير إلى أن البحيرة الجديدة تحتبس ما يزيد على 50 مليون متر مكعب من المياه. وهي تقع قريباً من محطة كهرومائية تحت الإنشاء وتهدد بتصديع سبع محطات أخرى قريبة منها. وقال "دينج فاي" الصحفي المحقق الذي يرأس حملة تطوعية للبحث في أخطار السدود في مدوّنته على الإنترنت، إنه كان لا يتوقف عن التحذير من بناء السدود على نهر جينشا التي زارها قبل بضع سنوات. وأضاف: "لقد تسربت المخاوف إلى نفسي في ذلك الوقت. وقلت: ما نفعله أننا نحارب السماء والأرض معاً عندما نبني سداً". وقال مدوّن آخر بأنه حصل على أجور من الحكومة نظير المساعدات التي قدمها لإنقاذ منكوبي الزلازل السابقة إلا أنه اتخذ قراراً بعدم القيام بهذا العمل في المستقبل. وجاء في مدوّنته قوله: "لقد تهدمت الكثير من البيوت أمام ناظري عندما ضرب المنطقة زلزال بقوة 6.5 درجة. فمن الذي يتحمل المسؤولية عن نوعية المباني ومدى قدرتها على الصمود؟ وهل يمكن القول إن الزلازل الأخيرة المتكررة لها علاقة ببناء المحطات الكهرومائية ذات الحجوم المختلفة والمنتشرة في كل مكان؟ ألا يمكنكم يا أيها المسؤولون أن تتوقفوا عن خداع الناس؟". وأشار الجيولوجي "فان" إلى أن سد "زيليودو" لم يصل إلى طاقة تخزينه القصوى من المياه. وهذا يعني أننا يجب أن ننتظر ما هو أسوأ فيما يتعلق بالزلازل المتكررة خلال السنوات المقبلة، وقال: "من غير المحتمل أن يتوقف المسؤولون عن تطوير المشاريع المائية إلا أن كل ما يمكنهم فعله هو تشييد مبانٍ أكثر قدرة على الصمود أمام الزلازل". ـ ـ ـ ـ ـ سيمون ديناير- بكين ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس".