تطالعنا الأخبار المرعبة عن النِّسب التي بلغتها سوريا على صعيد شامل، فنجد أنفسنا أمام حالة من الدمار والتفكك قارنها بعض الكتّاب والإعلاميين بما أصبح معرفاً تحت مصطلح «الصّوملة»، وهو ذلك الذي يُعبَّر به عن الأحوال التي وصلت أقصاها من التدمير والتفكيك والإجرام والإفقار. إنها ثلاث سنين تمرّ– مع دخول السنة الرابعة ومع انتظار نهايتها. ولم تتغير وتائر الموت بمعظم أو بكل أنواع السلاح، خصوصاً منها القنابل العنقودية والبراميل المتفجرة، إلا إذا زيدت أنواع أخرى عليها. ويبقى الناتج متمثلاً بالقتل والجوع والبحث عن أماكن آمنة، سواء كانت في الداخل السوري (وهي آخذة في التعاظم)، أو كانت في بلدان الجوار أو أبعد من الجوار، إضافة إلى كل مظاهر الإفقار والإذلال والرعب والأسى. تلك الوضعية الشاملة التي تلف سوريا من أقصاها إلى أقصاها، تحولت إلى "تسونامي" من الطراز الأكثر بؤساً وعاراً ووحشية. لقد تجاوز هذا "التسونامي" كل المقاييس التي شهدها التاريخ. ولعلنا نشير إلى أحد الأشكال التي تسوق ما يحدث في سوريا، وهو كون الحروب، في توجهاتها الخصوصية، تظهر بمثابتها تدخلاً أو غزواً من الخارج إلخ، يهدف إلى تدمير كل ما هو قائم. وفي هذه الحالة، تبرز أفكار حول مجازر يتمثل أحد أشكالها في إمطار البلد المعني بكل وسائل القتل. وفي هذه الحال، يتركز الاستهداف باتجاه الأطفال والنساء والمعمّرين والأماكن التي يرون أنها أماكن حماية؛ إضافة إلى الأماكن التي تمثل رموزاً تعليمية وثقافية وصحية، مع كل ما يدخل في الإرث التاريخي والتراثي للبلد المعني، وهو هنا سوريا التي قدمت لحضارة العالم وتاريخه مايجعل منها مرجعية للبشر جميعاً. ما يحدث في سوريا لا يفصح عن طرفي هذه الحرب الحالية القائمة تحت عنوان «غُزاة ومغْزوين»، وإنما يظهر هذان الأخيران بوصفهما منتمييْن إلى بلد واحد. فهذا البلد الواحد أصبح، كما أعلنت أخبار فظيعة عن سوريا: إن أكثر من مئة وخمسة وأربعين ألفاً من النساء السوريات، أصبحن يعشن وحيدات تعانين من العزلة والإملاق والتهديد الدائم باستباحتهن، إضافة إلى الجوع والخوف والوحدة. ويأتي في الخبر أن هذه النسوة يخفن من الخروج إلى الشوارع. وقد بعْن خواتم زواجهن، كي يسدّوا الرمق. ويتابع الخبر ومصدره منظمة (الإسكوا)، بأن سوريا دخلت في «مرحلة الصّوملة»، وبأن دخل النساء المذكورات قد هبط بحيث أصبح مستوى الفقر إلى نسبة خمسين بالمائة. ما يحدث في سوريا يمثل أشنع الأخطاء. وبالأصل، لم يكن دخول سوريا في الأفق الذي أريد له ومايزال يُراد، أن يكون مغلقاً وحين بُدء باستخدام السلاح الناري القاتل بعد انقضاء ستة أشهر على التظاهر السلمي، كان ذلك قد شكّل في التاريخ السوري أبشع وأخطر حدث؛ ناهيك عن أن ذلك اخترق النموذج السوري في مايتسم به من الانفتاح والتسامح والعقلانية العميقة. وبالأصل، لم تكن مطالب الشعب السوري إلا أمراً مفهوماً وقابلاً للاستجابة. فلقد ظهرت مطالب محقة وقابلة للحل؛ ناهيك عن أن أوساطاً كثيفة في السلطة كانت مهيأة للاستجابة الفعلية إلى ذلك. وإذا كنا الآن في معرض التحدث عن ذلك، فلعلنا نشير إلى المثال التالي: جموع من الناس يبقون أربعين عاماً ونيف في بيوتهم، التي بقيت أو أٌبقيت مغلقة، ويرجعون إليها بعد ذلك: ألا يستحق الأمر أن يقوم هؤلاء بتهوية بيوتهم وتنظيفها وتهيئتها لسكن نظيف مريح آمن ؟ وظهرت إرهاصات لذلك المطلب الشرعي القانوني، خصوصاً بالتزامن مع اقتحام الغزاة الأميركيين للعراق. فبعد هذا الحدث الإجرامي الفاحش، أعلن "كولن باول" في اليوم الثاني من هذا الإجرام، موجهاً كلامه إلى سوريا: على دمشق أن تتقن الدرس البغدادي! وقد كان ذلك الموقف استفزازياً إلى درجة قصوى. وكي تتم الصورة، أذكر أني كتبت رداً على ذلك الموقف، بأن كتبت مقالة كان عنوانها التالي ومخاطباً فيه الجميع من الشعب السوري: سارعوا أنتم الآن، وافتحوا الدائرة قبل أن يفتحها الأغيار!