الوضع في العراق اليوم خطير، لاسيما بالنسبة للسنة الذين أخذت فرص استيعابهم ضمن الحكومة العراقية وتلقيهم معاملة عادلة منها تتقلص منذ 2010، عندما حصلت كتلة «العراقية» التي كنا ننتمي إليها على عدد أكبر من الأصوات مقارنة مع أي كتلة برلمانية أخرى، لكنها حرمت من فرصة تشكيل الحكومة. ربما لم نكن سننجح، لكن السماح لنا بالمحاولة كان سيساهم في بناء ثقة العراقيين في الديمقراطية. وبالمقابل، استعملت إيران والولايات المتحدة نفوذهما لإبقاء نوري المالكي رئيساً للوزراء. المالكي، وهو الشيعي ذو العقلية الطائفية والميولات الاستبدادية، ضغط أيضاً على القضاء العراقي حتى يحكم لصالحه. ومنذ ذلك الوقت، قام باعتقال آلاف السنّة من دون محاكمة، وأخرج شخصيات سنية بارزة من الساحة السياسية عبر اتهامها بالإرهاب، وتوقف عن دفع أجور أبناء «الصحوات» السنّية، وهي الحركة التي حاربت «القاعدة» في العراق عام 2007، ووصف كل السنّة بالإرهاب. وإلى ذلك، فإن طلباً لمجالس المحافظات في صلاح الدين وديالى ونينوى بإجراء استفتاء حول كيفية إعادة تنظيم نفسها كمناطق تتمتع بقدر أكبر من الحكم الذاتي –مثلما يسمح الدستور بذلك– قوبل بالرفض، كما قوبلت الاحتجاجات السنّية السلمية على مدى عام بالقمع. وبينما كانت قوات الأمن العراقية تقتل عشرات المحتجين العزل، أخضع المالكي القضاء لإرادته مجدداً، ما ولّد شعوراً لدى السنة بالغبن وغياب العدالة. واليوم، قفز تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) إلى الواجهة، حيث سيطر في الفلوجة في وقت سابق من هذا العام، ثم في الموصل الشهر الماضي، وعلى مناطق أخرى، مدّعياً الدفاع عن السنّة ضد حكومة المالكي المدعومة من إيران. وأيديولوجياً يثمل هذا التنظيم تشويهاً للإسلام السمح وإساءةً لثقافتنا، لكنه يحصل على الدعم المحلي. وإذا كانت القبائل السنية قد هزمت «القاعدة» في العراق قبل أقل من عقد من الزمن، فإنها صارت اليوم تتعاون مع «داعش»، ليس كمتعصبين ومتشددين، ولكن لأنهم ينظرون إليه على أنه أخف الضررين، مقارنة مع المالكي. وفي هذا الأثناء، تقتل الحكومة المعتقلين السنّة وتقصف المناطق المدنية. ويؤدي قتل السنّة على أيدي مليشيات شيعية مدعومة من إيران ووجود مستشارين عسكريين إيرانيين على الأرض إلى تكريس الاعتقاد بأن حكومة المالكي تخدم إيران وليس العراقيين. وهو اعتقاد يدفع المزيد من السنة نحو «داعش»، ما يزيد من التهديد الذي يطرحه هذا الأخير على العراق وجيرانه. لكن العراقيين يستطيعون تغيير هذا الأمر. ولهذا الغرض، فنحن بحاجة أولا لرئيس وزراء جديد، حيث يجب على الأحزاب الشيعية أن تعين بديلا للمالكي، فهناك عدد من المرشحين المؤهلين لتولي هذه المنصب. كما يتعين على الساسة العراقيين إيجاد توازن جديد بين السلطة المركزية والحكم الذاتي المحلي. وفي هذا الصدد، ينبغي أن يشمل الاتفاق ترتيبات تلبي احتياجات أكراد العراق الذين يتمتعون بصلاحيات محلية معتبرة، ومزيداً من اللامركزية بالنسبة لبقية البلاد، واتفاقاً جديداً بشأن إدارة وتقاسم عائدات الموارد الطبيعية للعراق، وخاصة النفط. على أن يشمل أي اتفاق جديد العفو عن عشرات الآلاف من السنة المعتقلين بدون محاكمات، والإفراج عن السياسي السني أحمد العلواني، وإنهاء برنامج اجتثاث «البعث»، وإلغاء قانون محاربة الإرهاب الذي يستعمل كذريعة لإيقاف منافسي المالكي السنّة. كما يجب على البرلمان أن يبطل تسييس المالكي لقوات الأمن، وتشكيل قوات محلية جديدة لحماية السكان في المناطق السنية، على غرار نموذج البشمركا الكردية، ذلك أنه لا يمكن دحر «داعش» في المناطق التي سيطر عليها إلا على أيدي قوات سنية تحظى بدعم محلي. على أن القوات المسلحة الوحيدة التي ينبغي السماح بها في العراق يجب أن تكون تلك التي توافق عليها الحكومة رسمياً. وهكذا، فإن «داعش» يجب أن يكون محظوراً باعتباره تنظيماً إرهابياً، لكن كذلك الحال بالنسبة للمليشيات الشيعية المدعومة من إيران، مثل «عصائب الحق» و«كتائب حزب الله» و«فيلق بدر».. بيد أن الدعم الأميركي يعتبر بالغ الأهمية. وفي هذا السياق، ينبغي تعيين مسؤول أميركي رفيع المستوى – شخص سبق أن عمل مع سياسيينا وقبائلنا ومجموعاتنا- من أجل التواصل مع الزعماء السنّة داخل البلاد وخارجها. كما نحتاج للمساعدة في تشكيل قوات الأمن العراقية، التي استثمرت فيها الولايات المتحدة الكثير. فالإطار هو نفسه، لكن «القيادة والسيطرة» يجب إصلاحهما. كما يمكن للأميركيين المساعدة في فحص المجندين السنة والتحقق من خلفياتهم لصالح القوات المحلية. وأخيراً، ينبغي عقد مؤتمر إقليمي يعالج التهديدات التي تواجه دولًا مثل العراق من جانب كيانات غير دول مثل «داعش». ثم هناك مبعث قلق آخر ويتعلق بمئات الآلاف من النازحين واللاجئين العراقيين، ذلك أن الحكومة منحت مساعدات للنازحين الشيعة، وليس للسنة الذين حصلوا على مساعدات من السعودية وحكومة إقليم كردستان. والأهم من كل ذلك أنه يجب علينا التحرك بسرعة، ذلك أن «داعش» يواصل تجنيد المجندين في نينوى وتهديد كل من لا يتعهد بالولاء له، حيث أرغم المسيحيين على الرحيل عن محافظة عاشوا فيها مع المسلمين بسلام منذ أكثر من 1400 سنة. والحال أن أبناء شعبنا يستطيعون العيش معا في تناغم وانسجام، مثلما فعلوا في الماضي، ومن الضروري أن يشرع قادة العراق الآن في بناء مؤسسات تضمن ذلك. وخلاصة القول إنه رغم فظاعات الماضي القريب، فإننا نستطيع – بمساعدة أصدقائنا الأميركيين ـ اجتياز هذه المرحلة الصعبة. -------------------- رافع العيساوي وزير مالية سابق ونائب سابق لرئيس الوزراء في العراق أثيل النجيفي محافظ محافظة نينوى العراقية --------------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»