الأطفال أكثر تأثراً بكل ما يجري من حولهم، وهم يلتقطون بأعينهم ما يدور في بيوتهم، وما يُعرض على شاشاتهم، وما يحدث داخل محيط مدارسهم، ولذا كثيراً ما نسمع على ألسنة الآباء والأمهات عبارات. الجيل الجديد صعب التعامل معه.. فاقد لهويته.. ضائع لا يعرف ماذا يُريد، يميل إلى العنف في تصرفاته، ليس لديه طموحات.. ينظر باستخفاف للعلاقات الأسرية، ولا يعر انتباهاً للأوضاع الإنسانية! الإخصائيون النفسيون يرون أن المناخ العام ساهم في تغيّر تركيبة الأجيال الصاعدة، خاصة مع تنامي ظاهرة العنف في كل مكان! وحذروا بأن الإنترنت ساهم في ترسيخ مفهوم العنف لدى الأطفال على وجه الخصوص، خاصة (اليوتيوب) ونشرات الأخبار التي تبثُّ صبيحة كل يوم مقاطع حيّة لضحايا يتم قتلهم بوحشيّة. في الآونة الأخيرة انتشر على "اليوتيوب" مقاطع تُظهر أطفالا سعوديين لم يتجاوزوا العاشرة، يقومون بتقليد الممارسات الوحشية لجماعة "داعش" الإرهابيّة، وذلك بارتداء أحد الأطفال زي زعيم "داعش"، وقيام الطفل بتقييد رفاقه وتعصيب عيونهم وتنفيذ تمثيل حكم الإعدام فيهم نحراً بالسكاكين! ليت الأمر توقّف عند تقليد مشاهد العنف! بل تجاوز الأمر إلى تطبيقها فعليّاً على أرض الواقع، وبتنا نسمع عن جرائم بين حين وآخر تقشعرُّ لها الأبدان، أبطالها مراهقون من كل أرجاء الدنيا لا يقتصرون على جنسيّة محددة ولا على بلد بعينه! اليابان لم يسلم من تفشّي هذه الظاهرة ووقع هو الآخر في المحظور، رغم أن مجتمعه يُعتبر من أرقى المجتمعات، وتضع الدولة نصب عينيها بناء الفرد الياباني. وكانت وكالة (كيودو) اليابانيّة قد نقلت مؤخراً خبر إلقاء القبض على فتاة يابانيّة في السادسة عشرة من عمرها، قتلت زميلتها في المدرسة وقامت بجزّ رأسها وتقطيع أوصالها، ولم تكن حادثة العنف الوحيدة هناك! تنامي العنف في المجتمعات أُحمّلها للإعلام المرئي الذي يُروّج لبرامج التشويق، لرفع نسبة مشاهديه، وبالتالي جلب نسبة إعلانات عالية وتحقيق مردود مادي ضخم لقنواته، من دون أن يكترث بوجود أطفال يتسمرون أمام الشاشة بالساعات وبأذهان تلتقط سريعاً ما تُتابعه! كما أحمّل المسؤولية للمثقفين، حيث كان واجبهم إطلاق صفّارات الإنذار على الدوام وتوعية الأسر وتثقيفها بأخذ الحيطة والحذر في تعاملها مع أبنائها في مرحلتي طفولتهم ومراهقتهم، وعدم ترك الحبل على الغارب لهم، ووضعهم تحت أنظارها كي لا ترسخ هذه المفاهيم الخاطئة داخل عقولهم! الفن له أيضاً دور خطير في تثقيف الشعوب، حيث أصبح يضع نصب عينيه انتاج مسلسلات أحداثها تقوم على صناعة بطل أسطوري يحمل السلاح ويُلقّن أعداءه دروساً في الشجاعة. وصناعة أفلام تدور حول فكرة تجسيد الانتقام وكيف يحقُّ للبطل تدمير كل شيء في سبيل تبرئة ساحته من الذين ظلموه ووقفوا في طريقه! لا مكان لثقافة التسامح، ولا مساحة لترويج ثقافة الحب والعطاء، لذا يكبر الطفل ولديه قناعة بأن الحق يؤخذ بالقوة، وأن الغفران ضعف، وأن غض النظر عن أخطاء الآخرين ضعف وقلة حيلة! ثورة الإنترنت، فتحت العالم على مصراعيه أمام الأطفال ليروا ما لا يُستحب أن يروه في هذه السن الحرجة، في عصر أصبح العنف هو اللغة الرائجة والأسرع لتحقيق المراد! وأتذكّر بأن لي صديقة اشتكت لي بأنها تفاجأت بحفيدها يجلس بجانب مربيته الأفريقيّة أمام شاشة الكمبيوتر وتُريه مقاطع على "اليوتيوب" للجرائم التي يتم ارتكابها في حق المسلمين ببلادها! نهرتها وطلبت منها ألا تُكرر هذا التصرّف ثانية. أجيال اليوم لم تصنع أفكارها من فراغ، هي تشبُّ على ما تراه بعينيها وما تسمعه بأذنيها. أحموا براءة أطفالنا.