خلال كل يوم من أيام السنة يلقى الآلاف حول العالم حتفهم بسبب الأمراض المنقولة عن طريق الغذاء، التي تعرف أحياناً بالتسمم الغذائي. وإن كان مصطلح الأمراض المنقولة بالغذاء، يشمل أمراضاً أكثر من مجرد حالات التسمم الغذائي بمفهومه الضيق. ولا يقتصر انتشار هذه القضية الصحية الخطيرة على دول العالم النامي والفقير فقط، بل تمتد أيضاً لتشمل الدول الصناعية والغنية، لينتج عنها عبء مرَضي دولي هائل بكل المقاييس، ترزح تحته أنظمة الرعاية الصحية، ويتسبب في ضرر فادح للاقتصاد القومي، وفي إعاقة جهود التنمية البشرية والاقتصادية أحياناً كثيرة. ويمكن تقسيم الأمراض المنقولة عن طريق الغذاء إلى نوعين رئيسيين؛ نوع ينتج عن وجود ميكروب أو جرثومة في الغذاء، ونوع آخر ينتج بسبب وجود سموم في الغذاء، سواء كانت هذه السموم صناعية، أم طبيعية، أم ناتجة عن جراثيم وميكروبات. وهو ما يعني أن النوع الأول، هو في حقيقته نوع من العدوى التي تتم عن طريق تناول غذاء ملوث بالميكروب أو الفيروس أو الطفيلي، تغزو على إثره هذه الجراثيم الجسم عن طريق الجهاز الهضمي، لتسبب حزمة متنوعة من الأمراض المختلفة. أما النوع الثاني، فهو ببساطة نوع من التسمم، تظهر فيه الأعراض والعلامات بسبب دخول كمية من السم إلى الجسم، فتسبب اضطراب أعضائه وأجهزته الحيوية. وهذا السم، إما أن يكون مادة كيميائية لوثت الغذاء بشكل مباشر، أو أن يكون ناتجاً عن ميكروبات وجراثيم كانت تعيش على الغذاء الفاسد. وبغض النظر عن أي نوع من الأنواع يندرج تحته المرض المنقول بالغذاء، أو ما إذا كان الميكروب المسبب له بكتيرياً، أو فيروساً، أو طفيلياً، تعتبر إجراءات الوقاية المعروفة بـ«المفاتيح الخمسة» هي أفضل الاستراتيجيات التي تكفل تجنب الوقوع ضحية للأمراض المنقولة بالغذاء. وأول هذه المفاتيح، هو مفتاح النظافة، الذي نستطيع تملكه من خلال غسل اليدين قبل التعامل مع المنتجات الغذائية، وعدة مرات خلال تحضيرها وطهيها. ومن خلال تنظيف، وتطهير، جميع الأسطح والمعدات، التي ستستخدم لتحضير الطعام. وغني عن الذكر هنا، ضرورة غسل اليدين جيداً بعد استخدام الحمَّام، وضرورة حماية المطبخ ومكان تحضير الطعام، من الحشرات والقوارض. أما المفتاح الثاني من مفاتيح الوقاية من الأمراض المنقولة بالغذاء، فهو مفتاح الفصل، أي فصل الطعام المطهو عن الطعام النيئ، وخصوصاً اللحوم الحمراء النيئة، والدواجن، والأغذية البحرية التي لم تطهَ بعد. ويفضل استخدام أوانٍ وأدوات طبخ منفصلة، وأدوات تقطيع خاصة للطعام النيئ، وعند التخزين في البرَّاد يوصى باستخدام حاويات مستقلة، لمنع التلامس بين الطعام المطهو والطعام النيئ. ويشير المفتاح الثالث في مفاتيح الوقاية من الأمراض المنقولة بالغذاء، إلى ضرورة طهي الطعام جيداً، ولفترات كافية، وخصوصاً اللحوم الحمراء، والدواجن، والبَيض، والأغذية البحرية. وفي حالة طهي أطعمة مثل الشوربة أو «اليخني»، ينبغي التأكد من أنها وصلت إلى مرحلة الغليان، لضمان أن درجة الحرارة قد وصلت إلى 70 درجة مئوية على الأقل، ويمكن استخدام مقياس حرارة خاص بالطعام للتأكد من ذلك. وعند إعادة تسخين الطعام، يجب أن يتم ذلك إلى حد درجة حرارة مرتفعة، مع ضمان توزيع الحرارة بشكل متساوٍ على جميع الأجزاء. أما المفتاح الرابع من مفاتيح الوقاية من الأمراض المنقولة بالغذاء فيتعلق بكيفية حفظ وتخزين الطعام. فبداية، يجب عدم ترك الطعام المطهو في درجة حرارة الغرفة لمدة تزيد عن ساعتين بعد الطهو، مع ضرورة تخزين الطعام المطهو والطازج في البراد بأسرع وقت ممكن، ويفضل أن يكون هذا التخزين في درجة حرارة أقل من خمس درجات مئوية. وجدير بالذكر، أنه من المعتقدات الخاطئة والشائعة جداً، أن الطعام طالما كان في البرَّاد، أو مجمداً في «الفريزر»، فإنه يمكن الاحتفاظ به لفترة غير محدودة. والحقيقة هي أن البراد، أو «الفريزر»، يبطئ من عمل البكتيريا ويحد من نشاطها بقدر كبير، ولكنه لا يوقفه تماماً. ولذا، إذا ما منحت البكتيريا الوقت الكافي، حتى داخل البراد أو «الفريزر»، فستنجح في إفساد الطعام، وفي جعله غير صالح للاستهلاك الآدمي. ومن الأخطاء الأخرى الشائعة، إخراج الطعام المجمد من «الفريزر»، وتركه في درجة حرارة المطبخ حتى يذوب الثلج عنه. والصحيح هو: إجراء عملية تذويب الثلج، أو التسييح، داخل البراد، وليس في الحوض أو على رخام المطبخ. وإذا ما كان سيمر وقت طويل بين الانتهاء من طهي الطعام، وبين ميعاد تقديمه للتناول، فيجب أن يظل خلال هذه الفترة على الموقد، على أن يبقى ساخناً في درجة حرارة 60 مئوية تقريباً. ويتضمن المفتاح الخامس، بدوره، بعض البدهيات المنطقية مثل استخدام مياه نظيفة صالحة للشرب في تحضير الطعام، وعدم تناول المنتجات الغذائية بعد تاريخ انتهاء صلاحيتها، وغسل الفواكه والخضراوات جيداً بماء جار، وخصوصاً إذا كان سيتم تناولها نيئة، وضرورة الاعتماد بشكل أكبر على المنتجات الغذائية الطازجة غير المعلبة أو المصنعة، واللجوء فقط للأغذية المصنعة إذا ما كان ذلك يمنحها درجة أعلى من السلامة الغذائية، كما في حالة الحليب المبستر المعلب، الذي يعتبر أفضل على صعيد السلامة الغذائية من الحليب غير المبستر.