استمرار العدوان على غزة.. و2014 سنة سوداء للطيران! استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتداعيات هذا الصراع والأزمة الأوكرانية معاً على أوروبا، وتواتر حوادث الطيران مؤخراً بشكل ملفت حول العالم، ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. العدوان على غزة في صحيفة لوموند نشرت الكاتبة والأكاديمية «ليلى سيرات» مقالاً بعنوان: «إسرائيل تفضل حماس على الدولة الفلسطينية» أشارت في بدايته إلى أن الهجوم الإسرائيلي الراهن ضد قطاع غزة يثبت مرة أخرى نية تل أبيب المبيتة واستراتيجيتها الثابتة منذ انسحابها، من طرف واحد، من قطاع غزة في سنة 2005. وهذه الاستراتيجية تقوم، بالمختصر المفيد، على مبدأ إفشال أية جهود ترمي لإنشاء دولة وطنية فلسطينية، ووضع العقبات والعراقيل على طريق بناء هذه الدولة. ولتحقيق هذا الهدف المبيَّت تعمل إسرائيل بكافة الطرق الممكنة لتشجيع نوع من كيان الأمر الواقع في قطاع غزة، بعد صراع «فتح» و«حماس» وانفراد هذه الأخيرة بالسيطرة على القطاع خلال السنوات الماضية. وقد كان رد حكومة نتنياهو على جهود المصالحة الأخيرة بين الفصيلين الفلسطينيين هي أوضح وأبلغ دليل على هذا الموقف الإسرائيلي المبيّت، والرافض في الواقع لأي تدبير من شأنه توحيد الصف الفلسطيني، ومن ثم السعي لبناء الدولة الوطنية المستقلة الموحدة. ولذلك عندما تم تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية في بداية شهر يونيو الماضي، وعلى رغم عدم وجود أي وزير محسوب على «حماس» في صفوفها، إلا أن ذلك لم يمنع انفجار غضب وسخط الإسرائيليين. وقد بلغ هذا الاستياء ذروته خاصة بعد اعتراف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بهذه الحكومة. وبسرعة وجدت مساعي المصالحة الوطنية الفلسطينية والتدابير التي اتخذت لتحقيقها في انتظارها موقفاً إسرائيلياً مبيّتاً وراغباً في إفشالها بأية طريقة، ولذلك اتخذت حكومة نتنياهو فوراً حزمة من التدابير الاستفزازية والقيود التي بلغت حد عدم السماح للوزراء المقيمين في غزة بالسفر إلى رام الله ورفض السماح لقوات الأمن التابعة للرئاسة الفلسطينية بالذهاب إلى حدود غزة مع مصر، ورفض ضخ الحكومة الفلسطينية برئاسة عباس لمرتبات الموظفين الحكوميين التابعين لها في القطاع. ولم تتأخر كثيراً النوايا الإسرائيلية الحقيقية بطبيعة الحال حيث عبرت عن نفسها دون تأخير من خلال شن هجوم واسع وكاسح علي قطاع غزة كله، ما زالت أصوات ونيران القصف فيه متواصلة إلى حد الآن. كما نشرت صحيفة لوموند نفسها أيضاً مقالاً آخر للأستاذ الجامعي جان- بول شانيولو بعنوان: «على إسرائيل إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية» قال في بدايته إن هذا الصراع المزمن فقد السجال حوله منذ زمن بعيد أي طابع عقلاني، وخاصة في مواقف وخيارات اليمين الإسرائيلي ومؤيديه في بعض العواصم الغربية. ولو عدنا إلى الوقائع والبدايات فيما يتعلق بالعدوان الراهن على غزة سنجد أن شرارته انطلقت من الضفة الغربية والقدس الشرقية، حيث جرى مقتل ثلاثة شبان إسرائيليين بطريقة بشعة، وتلت ذلك بأيام عملية قتل أخرى أكثر بشاعة لشاب فلسطيني على أيدي إسرائيليين. وقد هيأ الأجواء لحالتي الاغتيال الاثنتين شيوع جو من الكراهية والشحن الذي يؤججه المتطرفون على كلا الجانبين. وقد اعتبر نتنياهو مقتل الشبان الثلاثة مبرراً كافياً لشن هجوم على غزة بدعوى أن حركة «حماس» هي من دبر مقتلهم، هذا على رغم عدم تبني «حماس» نفسها للعملية، وإن لم تدِنها أيضاً بقوة. واعتبر الكاتب أن هذه الجولة الصاخبة من العنف والعدوان اللذين تمارسهما إسرائيل ضد الفلسطينيين، لا ينبغي أيضاً أن تنسينا سبب كل المشكلات، وجوهر استدامة الصراع، ألا وهو استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وفرض الحصار، والممارسات القمعية التي يتعرض لها الفلسطينيون على أيدي جيش الاحتلال. وفي حين يواصل الإسرائيليون أعمال الاستيطان المحمومة في الضفة الغربية، ويعملون بمختلف الوسائل على قمع الفلسطينيين، ويسعون لإفشال حل الدولتين، وجعل قيام الدولة الفلسطينية متعذراً، يواصل جيش الاحتلال أيضاً ممارساته القمعية بحق أهالي قطاع غزة، حيث لم ينسحب كلياً بل ظل مسيطراً على سماء ومعابر القطاع البرية والبحرية، ويفرض على سكانه الذين يقاربون المليوني نسمة حصاراً قاسياً في مساحة صغيرة للغاية لا تزيد على 360 كلم مربع، ما جعل القطاع يتحول في الواقع إلى سجن كبير بسماء مفتوحة، حيث ينعدم الأمن والأمان والأمل وفرص الحياة، والحق في التنقل والتحرك والحصول على الاحتياجات الأساسية من غذاء ودواء وكساء. وفي ضوء هذا الواقع الصعب اعتبر الكاتب أن الغزاويين لم يعد لديهم ما يخسرونه ولذا نرى آلاف سكان القطاع عندما ترسل إليهم إسرائيل إنذارات، خلال هذا العدوان، مؤداها أن عليهم إخلاء بيوتهم، قبل أن تتعرض للقصف، يكون رد فعلهم الوحيد عدم المبالاة، والبقاء في بيوتهم. وفي الأخير يؤكد الكاتب أن الحل الوحيد للخروج من هذه الدوامة هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وعدم عرقلة قيام دولة فلسطينية مستقلة، لأن هذا هو ما يدعمه منطق التاريخ والسياسة والقانون الدولي، ومن دون إنجاح حل الدولتين لن تكون هناك نهاية للعنف والكراهية وحلقات المواجهة المتجددة العقيمة. أوروبا وحرائق الجوار الكاتب بيير روسلين نشر في صحيفة لوفيغارو مقالاً بعنوان: «الشرق الأوسط وأوكرانيا: فرنسا تدفع ثمن قصورها الدبلوماسي» أكد في مستهله أن حادث الطائرة الماليزية التي وقع إسقاطها بصاروخ فوق شرق أوكرانيا، والهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، يظهران إلى أي حد لا تستطيع دول الاتحاد الأوروبي الفكاك من التفاعل مع ما يجري من حرائق مندلعة في دول جوارها القريب. وقد كانت الصورة النمطية السائدة عن أوروبا حتى الأمس القريب هي أنها فضاء من الاستقرار والازدهار، ولذلك كانت محط تطلع من جميع جيرانها، ولكن تلك الصورة النمطية تبددت مع تفاقم الأزمة المالية وما تلاها من مأزق نقدي أوروبي ما زالت تداعياته محسوسة حتى الآن. ولذا فقد الاتحاد الأوروبي جاذبيته وألقه، ولم يقتصر تراجع دوره على الجوانب الاقتصادية فقط، بل إن حضوره في المحافل الدولية وفي السياسة الخارجية بصفة عامة تراجع بشكل ملحوظ، إلى حد انعدمت فيه أي قوة تأثير للاتحاد حتى في بعض دول جواره القريب في الجنوب والشرق، ذات التداعيات المباشرة على استقراره في النهاية. واعتبر الكاتب أن من المحزن حقاً، فيما يتعلق بالطائرة الماليزية التي أسقطت فوق شرق أوكرانيا، أن 211 من ضمن ركابها الـ298 هم أوروبيون، وتحديداً هولنديون في معظمهم، وهو ما يظهر استحالة نأي أوروبا بنفسها عن الحرب الأهلية في أوكرانيا الآن. وبغض النظر عن الطرف المسؤول عن إسقاط الطائرة إلا أن ثمة حقيقة لا جدال فيها هي مدى خطر الصراع بين الموالين لروسيا والموالين للغرب، واندلاع مواجهات مسلحة خطيرة إلى هذه الدرجة على أبواب أوروبا نفسها. وبذات الدرجة تؤكد أعمال العنف والتظاهرات غير المرخصة التي شهدتها بعض ساحات وأحياء باريس مؤخراً على خلفية التنديد بالعدوان الإسرائيلي على غزة، أن أوروبا لا تستطيع أيضاً الفكاك مما يجري في جوارها الشرق أوسطي القريب، وتحديداً في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. وفي المجمل ينتقد الكاتب ما يعتبره ضعفاً وقصوراً في أداء الدبلوماسية الأوروبية تجاه هذين الصراعين، وانعدام روح المبادرة في التعامل معهما، ليس فقط دعماً للاستقرار والسلام في المنطقتين، وإنما أيضاً حفاظاً على أمن واستقرار أوروبا نفسها، في المقام الأول والأخير. كوارث الطيران في افتتاحية بصحيفة ليبراسيون تحدث الكاتب فرانسوا سيرجان عن الحوادث المأساوية المتلاحقة التي شهدتها حركة الطيران عبر العالم خلال الأيام الماضية، مؤكداً مع ذلك أن صناعة لنقل الجوي تبقى على كل حال هي وسيلة النقل الأكثر أماناً على صعيد عالمي، والأكثر أيضاً ثقة، بالنظر إلى حجم المسافرين وعدد المسافات التي تقطعها. والطيران في هذا متقدم على السيارات والقطارات، وحتى على الدراجات. ولكن هذه الحقيقة قد تبدو للبعض أيضاً كمفارقة في ضوء عدد الضحايا الذين سقطوا في هذا الأسبوع وحده خلال حوادث طيران جرت في أنحاء مختلفة من العالم من مدينة «جاو» في شمال جمهورية مالي بغرب أفريقيا حيث سقطت طائرة الخطوط الجزائرية، إلى تايوان بالشرق الأقصى، إلى أوكرانيا. وزيادة على هذا شهد الأسبوع أيضاً الإعلان عن إغلاق المجال الجوي لكل من إسرائيل وأوكرانيا. ويمكن اعتبار سنة 2014 سنة سوداء لصناعة الطيران بمقتل 730 إنساناً حتى الآن مقابل 210 فقط في العام الماضي 2013. ومع هذا يقول الكاتب إن السيارات أيضاً تقتل في فرنسا وحدها أكثر من 3 آلاف في كل عام. غير أن تواتر وقوع حوادث الطيران القاتلة في هذا العام يقتضي أيضاً من الشركات المصنعة والحكومات بذل جهود استثنائية لتقليل هوامش احتمال وقوع مثل تلك الحوادث والكوارث، إلى أقصى حد ممكن. --------- إعداد: حسن ولد المختار