ما حصل في غزة في رمضان 1435هـ (يوليوز 2014م) يخضع لهذا القانون، الذي ابتكره المؤرخ البريطاني «آرنولد توينبي»، وقال عنه إنه المحرض لقيام الحضارات في التاريخ؟ فهل سيكون العدوان على غزة عامل يقظة في العالم العربي، والقضاء على السرطان الصهيوني؟ كما حصل في عام 1170 ميلادي، حين انتهت الحملة الصليبية السابعة بالفشل، وتم إلقاء القبض على الملك الفرنسي لويس في المنصورة؟ لا نستطيع الجزم ولكن الشيء المؤكد أن ظروف الشدة تخلق الرجال والنساء الرائعين، وبتعبير «توينبي» أن وجود إسرائيل منحة من السماء كي يستيقظ العرب؟ لنحاول سبر واستقصاء هذا القانون في العديد من المستويات؟ ما هي أفضل شروط الجري والهرب لإنسان تطارده مجموعة تريد الفتك به؟ إنها الحركة بين قطبين نفسيين هما اليأس والأمل. وإذا أحس المطارَد أنه بمنجاة من قبضة من يطارده، دخل الطيف النفسي الأمل فتوقف عن الركض، وإذا أطبق عليه شعور اليأس من جدوى الهرولة توقف أيضاً عن السعي، وفي هذه المسافة بالضبط تكون الحركة في أفضل صورها، فكلما انفك عن القنوط باتجاه الأمل من دون أن يصله تحرك في أفضل ظروفه، وكلما اقترب من أحد القطبين خفت الحركة، حتى إذا دخل حقل القطب المعني، سواء في اليأس أو الأمل، توقفت الحركة كلياً، فالسباحة -نفسياً- بين اليأس والأمل هي أفضل شروط توتر ويقظة الروح. يقول نيتشه، الفيلسوف الألماني، إن اليأس والتشاؤم علامة انحطاط، كما أن التفاؤل سذاجة وسطحية، والوضع الوسط في تفاعل الروح مع المعاناة هو الوسط الصحي لولادة النفس الزكية والعمل الإيجابي النافع. وهناك جدل وجودي في الفعل ورد الفعل؟ فالقلب يعمل في أحسن شروطه في التردد بين الانبساط والتقلص، ويعمل الشريان كأنبوب ممتاز بفعل توازن ضغط الدم داخله، فإذا تغير الضغط تغير الجدار ليشكل أم الدم «الأنورزما» ANEURYSMA المهددة بالانفجار الصاعق القاتل كما حصل مع الفيزيائي الشهير «آينشتاين» EINSTEIN فمات من انفجار أم دم بطنية. والتيار الكهربي يتدفق في تردد الإلكترونات بين القطب السالب والموجب، وترى الحكمة الصينية أن الوجود يقوم على الفعل والانفعال «الين واليانج» ويعتمد القانون الثالث في الديناميكا لنيوتن على الفعل ورد الفعل، الذي يساويه في القوة ويعاكسه في الاتجاه. وتقوم الفلسفة الهيجلية على تناقض الأضداد، ويرى الدين أن الكون يقوم على قاعدة الزوجية في كل شيء. ومفاصل جسمنا في وضعها التشريحي في أحسن أحوالها بين الانبساط والانثناء، وأفضل وضع لعضلاتنا عندما تكون في حالة توتر لطيف، وتمرض الجماعة سياسياً عندما تنزلق باتجاه أحد قطبي الاستضعاف والاستكبار سواء في داخلها بين الأفراد، أو في علاقات القوة بين الدولة القمعية والفرد، أو بين الدولة القوية والضعيفة، والضعف في حقيقته هو تقبل حقنة الاستضعاف. لم يبن اليهود دولتهم الحالية لولا معاناتهم الطويلة، ولم يتسربوا إلى أجهزة الاقتصاد والإعلام والسينما لولا الحنكة والدهاء والتنظيم، وخلف كل هذا الحذر الشديد، من مخلفات منعكسات شرْطية جماعية، شكلها تاريخ طويل من عذاب المعاناة، تمتد إلى أيام هدم المعبد على يد «تيطس» TITIUS القائد الروماني في عام 70م، ولاحقاً بالانتحار الجماعي عام 72م في قلعة «الماسادا»، حيث قام نحو 800 من اليهود بنحر أنفسهم بالتبادل، كي لا يقعوا في يد اللجيونات الرومانية الزاحفة، وما زالوا يقومون بنفس التقليد سنوياً؛ فيجمعون شباب اليهود من أطراف الأرض، ثم يأخذون مكبرات الصوت ينادون فيها الجنود الرومان! علينا أن نفهم أن قيام دولة بني صهيون تم من خلال معاناة تاريخية طويلة وشعور عميق بالإهانة والذل وحياة «الجيتو» التي لا تنتهي، ولكن بقدر ذكاء اليهود بقدر حماقتهم حيث زرعوا أنفسهم في وسط مخيف من الكراهية الجغرافية والتاريخية، وهم يعيدون «الهولوكوست» مسلطاً على آخرين، في انتقام لاشعوري لما حل بهم على يد النازيين، وهذه مسألة تكلم فيها علم النفس الإمراضي، حين يفشل الإنسان في مواجهة تاريخية فيحاول الانتقام لها على نحو غير شعوري، وخشيتي على العرب عموماً أن تصيبهم عدوى هذه الروح المريضة!