استمرار العدوان على غزة.. ومأساة إسقاط الطائرة الماليزية العدوان الإسرائيلي على غزة، وإسقاط الطائرة الماليزية فوق أوكرانيا، وقمة الدول البازغة في البرازيل، موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. العدوان على غزة نشرت صحيفة لوموند أمس الأول، الجمعة، افتتاحية بعنوان: «غزة، دوامة الحروب والكراهية» قالت في مستهلها إن إسرائيل تحاول تبرير شن هجوم بري على غزة ابتداء من ليلة الخميس - الجمعة الماضية، بدعوى «تدمير شبكة الأنفاق التي تخفي فيها حركة حماس ترسانتها من المقذوفات الصاروخية، وتعمل منها لمهاجمة الأراضي الإسرائيلية». وقالت الصحيفة إن «حماس» تمكنت على مر السنين، بدعم من إيران وسوريا وأطراف أخرى، من الحصول على أنواع أكثر تطوراً من القذائف الصاروخية، وكما رأينا خلال الأيام الماضية فقد تمكن بعض تلك القذائف من الوصول إلى المدن الإسرائيلية الكبيرة. واعتبرت الصحيفة أن العدد القليل من الخسائر البشرية في صفوف المدنيين في إسرائيل، على رغم إطلاق «حماس» 1000 صاروخ منذ 7 يوليو، بداية التصعيد الحالي للصراع، يعود لسببين: جهود الدفاع المدني المنظم بشكل ملفت، ومنظومة الدرع الصاروخية الإسرائيلية المعروفة باسم «القبة الحديدية». كما اعتبرت أن تل أبيب لا تعدم أيضاً حجة في اتهامها لـ«حماس» بوضع منصات إطلاق صواريخ وسط التجمعات السكانية الفلسطينية، وبذلك تجعل المدنيين بمثابة «دروع بشرية». ولكن على رغم كل الحجج التي تسوقها إسرائيل، فإنها تبقى واهمة أيضاً، إن ظنت أن أمنها سيتم ضمانه وتعزيزه بخوض مثل هذه العمليات العسكرية في غزة، تقول الصحيفة. والدليل على ذلك أن أي هجوم من هذا القبيل لا يكون له مفعول أكثر من فترة قصيرة للغاية، وفي الذهن هنا أن آخر حروب إسرائيل على غزة باتت تتكرر بعد كل سنتين تقريباً. هذا فضلاً على كون أي هجوم بري الآن على غزة سيكون مكلفاً جداً لجهة تعريض المدنيين الفلسطينيين لتداعيات القتال. ويكفي أن الأيام العشرة الأولى من الصراع الدائر الآن قد شهدت استشهاد 258 فلسطينيا - بينهم العديد من الأطفال - وجرح 1700 آخرين. ولا معنى طبعاً لمزاعم إسرائيل القائلة إنها ترسل تحذيرات للمدنيين قبل ضرب أي هدف، لأن هذا الادعاء عديم المعنى، ما دام المدنيون لا يجدون أصلاً مكاناً آخر يلجؤون إليه، لأن قطاع غزة المزدحم بمليوني نسمة واقع الآن كله تحت هجوم شامل من قبل جيش الاحتلال. وقد رأينا النتيجة سلفاً والثمن الإنساني الباهظ من خلال الهجوم الذي أدى لاستشهاد مجموعة من الأطفال يلعبون على شاطئ غزة. والحاصل أن القوة العسكرية ليست هي الحل، وذلك لأن دورة العنف لا تنتهي، وستظل الرغبة في الثأر تخرج كل يوم جماعات مسلحة جديدة، إن ظل الفلسطينيون والإسرائيليون يدورون في دوامات فراغ سياسي كلي. والنتيجة الوحيدة الممكنة لذلك أيضاً هي تغذية مشاعر الكراهية المستمرة بين الطرفين. كما نشرت لوموند أيضاً مقالاً تحليلياً آخر بعنوان: «بنيامين نتنياهو يقع مجدداً في فخ غزة» قالت فيه إن رئيس الوزراء الإسرائيلي يواجه منذ بداية الحرب الحالية مطالبات من «صقور» حكومته وحزبه «الليكود» الداعين إلى تصفية الحساب بشكل نهائي مع «حماس» من خلال شن هجوم بري على غزة، وهو ما يبدو أن نتنياهو وقع في فخه أخيراً بإعلانه مساء الخميس الماضي عن بداية تدخل «محدود» لجيش الاحتلال في القطاع. والهدف المعلن طبعاً لهذا الهجوم هو القضاء على شبكة الأنفاق التي يستخدمها المسلحون الفلسطينيون. ويقول جيش الاحتلال أيضاً إنه قد اكتشف تسلل مسلحين عبر أحد هذه الأنفاق إلى داخل إسرائيل. وتم إيقاف 13 منهم وقتل 8. ولعل هذا الإعلان الأخير كان أيضاً أحد أسباب تسريع تصعيد الهجوم الإسرائيلي على القطاع. وفي سياق متصل بالعدوان الإسرائيلي على غزة نشرت صحيفة «لومانيتيه» أيضاً تغطية من مراسلها في المدينة نقل فيها صوراً مختلفة من المعاناة الإنسانية التي يتكبدها المدنيون الفلسطينيون بسبب العدوان الإسرائيلي. كما أظهر المراسل العدد الهائل من الإصابات في صفوف المدنيين العزل من نساء وأطفال ومسنين. وقد استند على مشاهداته الميدانية لآثار العدوان، كما نقل شهادات لأطباء في مستشفيات القطاع، تحدثوا عن ظروف إنسانية بالغة الصعوبة والحرج، بسبب تفاقم عدد المصابين المدنيين أساساً وحجم الضغوط على الخدمات الصحية محدودة الإمكانيات أصلاً في قطاع غزة. كارثة «الماليزية» قالت صحيفة ليبراسيون في افتتاحية خصصتها لمأساة سقوط الطائرة الماليزية يوم الخميس الماضي قرب الحدود الأوكرانية الروسية، إن هذا الحادث الكارثي يشكل تذكيراً للعالم أجمع بأن أوكرانيا ما زالت في حالة حرب محتدمة. وبغض النظر عن أصل الصاروخ الذي أسقط الطائرة المدنية الماليزية وقتل 295 مسافراً فإن الأشخاص المغدورين الذين كانوا على متن الطائرة وقعوا ضحايا لنزاع مفتوح ترك لكي يطول زمناً آخر، وقد سقط بسببه أيضاً حتى الآن عشرات القتلى على خطوط المواجهة من كلا الجانبين. والأخطر من هذا أن مدناً كاملة ما زالت حتى الآن واقعة في أيدي الانفصاليين الموالين لروسيا، الذين تحركهم موسكو. وفي هذه الأثناء يقول الجيش الأوكراني إنه جاهز لإطلاق هجوم من أجل استعادة الأراضي الواقعة تحت سيطرة الانفصاليين. ويتبادل الطرفان المتصارعان الآن الاتهامات بالمسؤولية عن إسقاط الطائرة. ونشرت الصحيفة نفسها أيضاً يوم الجمعة الماضي افتتاحية أخرى أكد كاتبها «لوران جوفرين» أنه لا يمكن حتى الآن القطع بشأن من يتحمل المسؤولية عن إسقاط الطائرة، وحتى لو كان هنالك بعض المؤشرات والخيوط التي تشير إلى الانفصاليين الأوكرانيين الموالين لروسيا إلا أنه لا يوجد حتى هذه اللحظة أي دليل قاطع يؤكد أنهم هم من أسقط الطائرة. ويمضي الكاتب بعد ذلك منتقداً الرئيس الروسي بوتين، مؤكداً أن الأقلية الناطقة باللغة الروسية في أوكرانيا كانت قبل نشوب هذه الأزمة تعيش في سلام، ومن دون أي تضييق عليها في حقوقها الثقافية، ولكن منذ اللحظة التي اتجه فيها الشعب الأوكراني نحو أوروبا الديمقراطية بدأت الاضطرابات وتفاقمت الأزمة الراهنة، لأن سيد الكرملين لا يريد التخلي عن أوكرانيا، ويمتلك أكثر من ورقة ضغط على قرار حكومة كييف. يذكر أخيراً أن صحيفة ليبراسيون صدرت أيضاً يوم الجمعة الماضي بصورة كبيرة للرئيس بوتين على صفحتها الأولى مع عبارة «المتهم» كعنوان - مانشيت كبير مع الصورة، في إشارة إلى قضية الطائرة الماليزية. تحدي دول «البريك» حللت صحيفة لوموند في افتتاحية خصصتها لقمة قادة الدول البازغة المعروفة باسم مجموعة «البريكس» ما إن كانت تلك المجموعة التي طلع قادتها في وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية متشابكي الأيدي في صورة جماعية في اجتماعهم بالبرازيل، ما زالت تستطيع الاستمرار في لعب دور مؤثر في تسيير الشؤون الاقتصادية الدولية، بل ما إن كانت أصلاً قابلة للاستمرار كمجموعة بعد أن عرف بعض دولها مصاعب اقتصادية بالغة، ودخل بعض آخر نزاعات عارمة في فضائه الإقليمي! وتساءلت الصحيفة في العنوان: هل قادة «البريكس» ما زالوا موحدين بالقدر الذي يدّعون؟ وكما يطلق قادة «البريكس» في كل قممهم الدورية السنوية فقد أعلنوا في قمة برازيليا هذا الأسبوع أيضاً عن مشروعات طموحة لإيجاد مؤسسات مالية بديلة للنظام المالي العالمي الذي أسسته الولايات المتحدة في يوليو من سنة 1944: البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وفي المقابل يريد قادة الدول البازغة إنشاء بنك تنمية برأسمال يتراوح بين 10 مليارات و50 مليار دولار. وكذلك صندوق احتياط تبادل بقرابة 100 مليار دولار. وفي السياق ذاته ناقش أيضاً الكاتب بيير روسلين في مقال بصحيفة لوفيجارو تحت عنوان: «تحدي الغرب من طرف الدول الخمس البازغة الكبرى» قال فيه إن وجود الزعيمين الروسي والصيني إلى جانب ديلما روسيف، إضافة إلى الزعيمين الهندي والجنوب أفريقي، أتاح للبرازيل فرصة التقاط أنفاسها بعد المزاج المأساوي الذي ساد البلاد بعد سقوط منتخبها في كأس العالم. وقد أتاحت هذه القمة للرئيسة البرازيلية فرصة الحلم بنظام عالمي جديد، وفي الوقت نفسه التحضير أيضاً للانتخابات المقررة في أكتوبر المقبل، من خلال الاستفادة من نجاح قمة «البريكس»، وهي مجموعة تمثل تحدياً حقيقياً للغرب ونظامه الدولي السائد اليوم. وفوق هذا يلزم الاعتراف أيضاً بأنه على رغم إذلال المنتخب الوطني البرازيلي على يد الألمان في نصف النهائي، بعد حرمانه من اللاعب النجم «نيمار» لدواعي الإصابة، إلا أن تنظيم كأس العالم بهذه الكيفية كان أيضاً نجاحاً باهراً للبرازيل في المقام الأول. بل إن بعض ما كان متوقعاً من زخم للتظاهرات المناهضة للمونديال لم يقع، وحجم الاستياء والاحتقان الشعبي العام من تكلفة تنظيم كأس العالم الباهظة كان عموماً من دون التوقعات. ومن هذه الزاوية فقد سجلت البرازيل نجاحاً مزدوجاً ستحاول روسيف الاستفادة منه وتوظيفه سياسياً: نجاح «المونديال» ونجاح قمة «البريكس» معاً. إعداد: حسن ولد المختار