الانتهاكات الإسرائيلية.. ومخاطر الحرب البرية في غزة ملامح الصحافة الإسرائيلية تحذيرات من حرب برية في غزة، وتجاوزات إسرائيلية في حربها ضد الفلسطينيين، وتساؤلات حول حماية الفلسطينيين في الضفة الغربية من صواريخ «حماس»، ثم بحث في أسباب الحروب والصراعات.. عناوين أساسية تناولتها الصحافة الإسرائيلية خلال الأسبوع الماضي. إسرائيل و«ضبط النفس» دعت صحيفة «هآرتس» في افتتاحيتها ليوم الإثنين الماضي إلى عدم انجرار إسرائيل إلى دخول غزة والانخراط في حملة برية واسعة، لأن من شأن ذلك توريط إسرائيل في مواجهة ممتدة غير واضحة الأهداف والمعالم، فرغم الضغوط المتصاعدة على نتنياهو لإطلاق حملة برية بهدف «تطهير غزة من الصواريخ»، كما تطالب بذلك أصوات اليمين داخل المجلس الوزاري المصغر، تحذر الصحيفة من العواقب وتدعو للتفكير ملياً في مدى خدمة تلك العملية لمصالح إسرائيل، فالصواريخ التي تنطلق من غزة وتستهدف المدن الإسرائيلية، تقول الصحيفة، لن تتوقف بمجرد دخول الجيش الإسرائيلي إلى غزة، كما أن «حماس» لا يمكن القضاء عليها مهما تصاعدت عمليات الاغتيال الموجه التي تقوم بها إسرائيل. وإذا كانت مفهومة، تقول الصحيفة، حالة الغضب والخوف التي يشعر بها الإسرائيليون جراء الصواريخ التي باتت أقرب إلى مدنهم، حتى البعيدة منها عن غزة، فإن هذه المشاعر يجب ألا تُستغل من قبل أعضاء في الائتلاف الحكومي، مثل حزب «البيت اليهودي» ووزير الخارجية أفيجدور ليبرمان، للمطالبة بدخول غزة بدعوى قطع دابر الصواريخ. وتضيف الصحيفة أن الأصوات المطالبة بذلك في صفوف اليمين الإسرائيلي تضلل الرأي العام، فأي مسعى لتطهير غزة من الصواريخ سيستدعي ليس فقط الزج بالقوات الإسرائيلية، مع احتمال تعرضها لإصابات وقتل في صفوفها، بل أيضاً يحتم البقاء لمدة أطول وإعادة احتلال غزة ما يفرض تولي إدارة القطاع بسكانه البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة.. لذا وبدلا من هذا الانجرار غير المحسوب في حرب غير مرغوب فيها، تقترح الصحيفة تفعيل إسرائيل للمسار الدبلوماسي وتلقف مساعي الوساطة التي تبذلها مصر والولايات المتحدة لوقف إطلاق النار، لاسيما أن صور القتلى الفلسطينيين تبث في العالم بأسره لتهز من شرعية إسرائيل ولتنهال عليها الانتقادات. قتل العرب هذا هو الشعار الذي يقول جدعون ليفي في مقاله بـ«هآرتس» يوم الأحد الماضي إن إسرائيل تبنته في حربها الأخيرة بغزة، وهو شعار نقلته إسرائيل على ما يبدو، يقول الكاتب، من عصابات المافيا، فإذا ما كانت إسرائيل تدرك جيداً أنه من غير المجدي تدمير كل أسلحة «حماس» ما دامت هذه الأخيرة قادرة على إعادة تسليح نفسها، كما فعلت في المرات السابقة، وإذا كانت تعرف أيضاً أنه ليس من مصلحتها إسقاط «حماس»، ولا هو بالأمر الواقعي والمشروع لأن البديل قد يكون أسوأ، فمَا الذي تبقى من أهداف تتذرع بها إسرائيل؟، يتساءل الكاتب، عدا قتل المدنيين وتجسيد الشعار العنصري الذي يدعو على العرب بالموت والفناء؟ ولعل ما يدل على ذلك، يضيف الكاتب، ما أطلق عليه الجيش الإسرائيلي «بنك الألم» الذي يشمل المنازل والأحياء الآهلة بالسكان، والنتيجة أن أعداد القتلى المدنيين في تصاعد، بمن فيهم الأطفال والنساء، بحيث يكمن الهدف في ضرب المنازل وتهديمها على رؤوس ساكنيها. وحتى الآن، يقول الكاتب، دُمرت المدارس والمستشفيات في القطاع، وما زال القصف متواصلا. وحتى لو صدقت مزاعم الحكومة الإسرائيلية في أنها تستهدف «مراكز التحكم» أو «قاعات المؤتمرات»، فإن الجيش الإسرائيلي لم يعد يواجه الجيوش، بل تخصص في فتح نيرانه على المدنيين. ويبدو، يقول الكاتب، أنه منذ الحرب اللبنانية الأولى قبل ثلاثين عاماً أصبح قتل العرب الهدف الاستراتيجي الأول لإسرائيل. ومع أن الكاتب ينتقد «حماس» لعدم حمايتها الشعب الفلسطيني بتجهيز القطاع بصفارات الإنذار، فإنه يعود ليتساءل: إلى أين سيهرب الفلسطينيون حتى بوجود أنظمة الإنذار المبكر، فهم يعيشون في قفص لا مفر لهم منه إلا إلى حتفهم، وهو ما ترتكبه إسرائيل في كل لحظة وحين. حماية الفلسطينيين في مقاله بصحيفة «جيروزاليم بوست» يوم الثلاثاء الماضي، تساءل الكاتب يوناه جيرمي عما إذا كان يتعين على إسرائيل استخدام منظومتها الدفاعية، القبة الحديدية، لحماية المناطق الواقعة تحت السيطرة الفلسطينية في الضفة الغربية من الصواريخ التي زعم أنها تنطلق من غزة وتسقط هناك خطأ. ومناسبة هذا السؤال، يقول الكاتب، الإشاعات التي تحدثت يوم السبت الماضي عن سقوط أربعة صواريخ في بيت لحم والخليل، فضلا عما يكتسيه السؤال من أبعاد أخرى في ظل تحميل نتنياهو لرئيس السلطة الفلسطينية ما تقوم به «حماس»، لأنها أضحت جزءاً من حكومة الوحدة الوطنية. وللإجابة عن السؤال الذي طرحه بنفسه، يرجع الكاتب إلى رأيين «قانونيين»، أحدهما يتبناه المستشار القانوني السابق لوزارة الخارجية، روبي سابيل، يقول فيه إن إسرائيل ملزمة بحماية الفلسطينيين في مدن الضفة الغربية من أي تهديد «خارجي» (يقصد صواريخ «حماس») وذلك بموجب اتفاق أوسلو الذي أوكل هذه المهمة لإسرائيل، وهي مهمة -يقول المستشار القانوني- تشمل مناطق «أ» الخاضعة كلياً لإدارة السلطة الفلسطينية ولقواتها الأمنية. ثم هناك رأي آخر يقول بضرورة تولي إسرائيل حماية الضفة الغربية، حتى خارج اتفاق أوسلو، لأن إسرائيل قوة محتلة ويتعين عليها بمقتضى اتفاقيات جنيف الرابعة والقانون الدولي توفير الحماية للسكان. يضاف إلى ذلك، يقول الكاتب، الاعتبارات المرتبطة بالسياسات الإسرائيلية، فأي تنصل من مسؤولية الحماية تلك يعطي للفلسطينيين في الضفة الغربية مبرراً كافياً لتطوير منظوماتهم الدفاعية بمنأى عن إسرائيل، وهو ما لن تقبله الدولة العبرية التي تصر على نزع سلاح الفلسطينيين حتى في حال قيام دولتهم المستقلة. لماذا تندلع الحروب؟ سؤال طرحه المعلق والصحفي سيفر بلوكر، في مقاله المنشور على صفحات «يديعوت أحرنوت»، يوم الأحد الماضي، على خلفية المواجهات الدائرة في قطاع غزة، وللإجابة عليه قام باستعراض أهم الآراء حول الموضوع، فالمفكرون الماركسيون يرجعون الحروب إلى عوامل اقتصادية ترى في الصراع الطبقي بين الأغنياء والطبقات العمالية الوقود الذي يشعل نار الحروب بسبب التناقضات المادية الصارخة والمصالح المتنافرة لأصحاب الثورة وملاك الأرض، أو غيرهم، لتصبح الحروب لعبة مصالح كبرى يحاول كل الحفاظ على امتيازاته في وجه مساعي الآخر الذي يريد انتزاعها. لكن الكاتب يقول إن مثل هذا التفسير الاقتصادي للحرب يغفل الاعتبارات الأخرى، لاسيما أنه يفشل في تفسير سبب الحرب الباردة أحياناً والملتهبة أحياناً أخرى بين الفلسطينيين وإسرائيل، والتي من آخر جوالتها ما يجري حالياً في غزة، فالفلسطينيون عندما أطلقوا انتفاضتهم الثانية كان الاقتصاد الفلسطيني في أحسن حالاته، ومع ذلك انتفض الفلسطينيون لأن ما يحركهم ليس فقط الوضع الاقتصادي المريح، بل أيضاً التطلعات الاقتصادية والمشاعر الدينية التي تلعب دوراً كبيراً في إذكاء الحروب على مستوى العالم، وخلافاً لما يتصوره البعض ممن ينادي بتحسين ظروف الفلسطينيين الاقتصادية ومساعدتهم على بناء وضع مريح ينعم بالازدهار والرخاء، على أمل أن يؤدي ذلك إلى تراجع مطالبهم القومية وانتماءاتهم العقدية، يقول الكاتب إن التجربة التاريخية مع الفلسطينيين أثبت أن هناك أموراً لا تُشترى بالمال، وأن التطلعات القومية والوطنية للفلسطينيين تظل عصية على الاندثار. إعداد: زهير الكساب