بعد أن تجاهلت إدارة أوباما العراق منذ عام 2009، تحاول الآن عبثاً إيجاد طريقة لمنعه من الانهيار الكامل، وهزيمة الدولة «الجهادية» التي أعلن عن تأسيسها حديثاً على نحو ثلث الأراضي العراقية. وبصيص الأمل الوحيد لتحقيق أحد الأمرين أو كليهما يقتضي إقصاء الزعيم الذي دعمته الولايات المتحدة على مدار ما يقرب من عشرة أعوام؛ رئيس الوزراء العراقي الطائفي.. نوري المالكي. وقد دفعت السياسات الطائفية الشيعية للمالكي السُّنة في العراق، الذين يشكلون خمس السكان، إلى أحضان تنظيم «الدولة الإسلامية» المعروف باسم «داعش». واستحوذت الجماعة «الجهادية» مؤخراً على مدينة الموصل، ثاني أكبر مدن البلاد، وأعلنت ما سمته «خلافة إسلامية» تمتد على الأراضي غرب العراق وشرق سوريا. وإذا استمر المالكي في منصبه، فقد يثير حرباً إقليمية دينية بين السنة والشيعة تُهدد حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وسيجذب بقاؤه مزيداً من المقاتلين الأجانب للانضمام إلى ما يناهز ثلاثة آلاف من المسلحين الأوروبيين وعشرات من الأميركيين الذين يتدربون الآن بالفعل داخل ما يسمى بـ«دولة الخلافة»! ويعارض الأكراد العراقيون والسنة إضافة إلى اثنين من الأحزاب الشيعية الرئيسية بقاء المالكي. وحتى السيستاني أشار هو أيضاً إلى أنه قد آن أوان تنحي المالكي. وعلى رغم ذلك يصر هذا الأخير على أنه سيستمر لفترة ثالثة في منصبه. وبعد أن أضعفت واشنطن نفوذها في بغداد، لم يعد لديها الكثير من التأثير كي تساعد على تسهيل خروج المالكي. وقد كان المالكي أصلاً مشكلة عند الوقت الذي دعمته فيه الولايات المتحدة منذ البداية كاختيار تفاوضي لمنصب رئيس الوزراء في عام 2006. وعندما طلبت من سياسيين عراقيين حينئذ وصفه، كرروا عبارة «دعوة، دعوة، دعوة»، في إشارة إلى أنه احتفظ بالتوجه التآمري الذي يتسم به حزب «الدعوة» الشيعي الذي قاتل نظام صدام حسين على مدار عقود. وقد تألفت دائرة المالكي المقربة من مساعدين تابعين لحزب «الدعوة» يتبنون الرؤية القاصرة ذاتها. وفي حين تبنى المالكي لفترة قصيرة توجهاً أكثر شمولاً، إلا أنه بدأ حملة منهجية للسيطرة على الجيش والدولة بحلول عام 2009. وقد تجاهلت إدارة أوباما سيطرته على السلطة؛ إذ توقف المسؤولون الأميركيون في بغداد عن التوسط بين الفرقاء العراقيين، وقد كان ذلك ضرورياً لإنهاء الصراع الطائفي الذي اندلع بين عامي 2007 و2008. وبحلول عام 2010، تبددت مكاسب زيادة القوات الأميركية، عندما تحولت القبائل السُّنية ضد تنظيم «القاعدة» في مقابل وعود بشمولهم في نظام الحكم والقوات العراقية، بيد أن المالكي نكث بهذه الوعود واعتقل آلاف المواطنين السُّنة. وعين أيضاً المقربين منه في مناصب قيادية عليا داخل الجيش العراقي، ودعم المليشيات الشيعية. وقد أسهمت كل هذه الأفعال السيئة في انهيار الجيش مؤخراً بالموصل وأقنعت القبائل السُّنية بدعم تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي أواخر عام 2010، هدد المالكي المسؤولين الأميركيين أثناء اجتماع عقد في بغداد بأنه سيستأنف التمرد الشيعي في جنوب العراق إذا لم يدعموه لفترة ثانية. وقد أخبرني بذلك علي الخضيري، المسؤول الأميركي الذي خدم كمساعد خاص لأربعة سفراء أميركيين في بغداد وللجنرال ديفيد بيترايوس أيضاً. وعلى رغم ذلك دعمت واشنطن عودة المالكي لمهام منصبه في عام 2010. وفي الأخير أدرك البيت الأبيض بعد فوات الأوان أنه قد دعم مخرِّباً. وقام وزير الخارجية الأميركي جون كيري الآن برحلتين سريعتين محاولاً تشجيع السياسيين العراقيين على اختيار رئيس وزراء جديد قادر على التواصل ولمِّ الشمل مع الأكراد والسنة. وعلى رغم أن حزب المالكي قد فاز في الانتخابات الأخيرة، إلا أن من الممكن إقصاؤه إذا اتحدت الأحزاب الأخرى، بما في ذلك الأكراد والسنة وبعض الشيعة خلف مرشح آخر. ولكن أي شيء ينبغي فعله لإقناع المالكي بالتخلي عن منصبه؟ أولاً: يتعين على أوباما وكيري التوسط بنفسيهما، واستغلال كل ما تبقى من تأثير أميركي للمساعدة على إيجاد بديل للمالكي. وعلى كيري تحديداً أن يوضح أنه لن يكون من المرتقب إرسال طائرات أو دعم جوي أميركي لرئيس وزراء طائفي. ومثلما أوضح بترايوس مؤخراً، لا يمكن للولايات المتحدة أن تصبح «قوة جوية» للمليشيات الشيعية. ثانياً: سيكون على إيران قبول بديل شيعي للمالكي؛ ذلك أن الإيرانيين يمثلون قوة فاعلة رئيسية في بغداد. ولابد أن ذلك سيكون منطقياً بالنسبة لطهران، إذ إن انهيار العراق وظهور «خلافة جهادية» سنية هو أمر يهدد المصالح الإيرانية. بيد أن الجدل الدائر في طهران بشأن التخلي عن المالكي يبدو أنه لم يُحسم بعد. وأخيراً: سيكون على الأكراد والسنة وكثير من الشيعة في العراق إدراك أن «تقسيم» البلاد ليس حلاً. ويقول فيصل أسترابادي، الدبلوماسي العراقي السابق الذي يعمل الآن أستاذاً في كلية القانون بجامعة «إنديانا» إنه: «لا يمكن أن يقسم العراق إلى ثلاثة أجزاء صغيرة، فعندئذ سيبدو مثل الصومال». وعلاوة على ذلك، سيتعرض الأكراد للتهديد من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية»، وسينزلق السنة والشيعة في صراعات دامية مع بعضهم بعضاً وداخل مجتمعاتهم نفسها، في ظل انتشار المليشيات. وقد تكون هذه هي الكارثة التي تتجه الأمور إليها الآن، ولكن على البيت الأبيض أن يحاول على الأقل منعها، قدر المستطاع. ------------- يُنشر بترتيب خاص مع «إم. سي. تي. إنترناشيونال»