أثناء حضور الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف مباراة نهائي كأس العالم التي استضافتها بلادها مؤخراً وأقيمت في مدينة ريو دي جانيرو، كانت الجماهير البرازيلية تصيح مستنكرةً عند ظهور الرئيسة على شاشات الفيديو الكبيرة التي نُشرت في كل أنحاء البلاد تقريباً. ورغم ذلك، فقد شعر كثير من البرازيليين بالفرح والسعادة لنجاح ترتيبات الحدث الكروي العالمي، حسب الخطة الموضوعة أصلا، وبالإثارة التي انطوت عليها المباريات وما استقطبته من اهتمام عالمي واسع. لكن بطبيعة الحال فإن معنويات البرازيليين تحطمت عندما تعرض فريقهم الوطني لهزيمة ثقيلة أمام ألمانيا التي أحرزت سبعة أهداف مقابل هدف واحد لفريق «السامبا»، لكنهم بالتأكيد سعدوا بانتصار فريق «الماكينات» (ألمانيا) على منافسهم التقليدي الأرجنتين في المباراة النهائية. بيد أنه بعد فقدان الكأس، لا تزال ثمة قضايا كثيرة عالقة من دون تسوية، وهي موضع نقاش في أوساط الرأي العام البرازيلي؛ منها على سبيل المثال التكاليف الضخمة لتنظيم المونديال، ومشاريع البنية التحتية الكثيرة غير المنجزة، وبدأ الاستعدادات لمعركة أخرى ستنطلق في غضون عامين تقريباً عندما تستضيف ريو دي جانيرو دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في عام 2016، حيث يتعين قبل ذلك التاريخ إنجاز كثير من الإنشاءات والبنى الرياضية الضخمة الخاصة بالمباريات الأولمبية. وثمة قلق خاص يساور الكثيرين من أن ملعب الجولف الجديد لن يكون جاهزاً بحلول ذلك الوقت، لذا فمن المحتمل إلغاء رياضة الجولف من قائمة المنافسات. وستكون هذه مفارقة بالنظر إلى أن الأمر استغرق مائة عام من الحملات الداعمة كي تتم إعادة اللعبة ضمن المنافسات الرسمية. وتتركز المشكلات الأوسع نطاقاً، المتعلقة باستياء معظم البرازيليين، على المبالغ المالية الضخمة التي أنفقت على تلك المشاريع العملاقة ومعرفة أن جزءاً كبيراً من هذه الأموال آل بوضوح إلى أيادٍ خاطئة، وأن مثل هذا الفساد لم يقوض فحسب سمعة البرازيل، ولكن ربما قد أفضى أيضاً إلى سوء ورداءة إنشاء بعض مشاريع البنية التحتية. وعلى ضوء مشكلات الإسكان القائمة في البرازيل، ونظام النقل بالغ السوء فيها، من غير المثير للدهشة والاستغراب أن يظهر ذلك الغضب لدى البرازيليين بسبب التكلفة الضخمة لتنظيم مباريات كأس العالم الأخيرة، والآن دورة الألعاب الأولمبية المقبلة. غير أن هذه القضايا المالية والهيكلية لا يمكن النظر إليها بمنأى عن ميزة استضافة المباريات ومليارات الناس المتفرجين في أنحاء الكرة الأرضية، والذين حرصوا على مشاهدتها وهي تجري على أرض البرازيل. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال هناك مخاوف بارزة بشأن مستقبل اللعبة الدولية تتجاوز كافة القضايا التي ظهرت في البرازيل. ومن الملحوظ أن المسؤول الآخر الذي قوبل بصيحات استهجان واستياء من الجماهير أثناء عرض الكأس في الثالث عشر من يوليو الجاري كان رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا»، جوزيف بلاتر، الذي يترأس منظمة رياضية خارج السيطرة الوطنية لأية حكومة، وقد تمت الإشارة إليها كثيراً في الآونة الأخيرة بسبب انتشار الفساد بين كثير من موظفيها. وفي حين أن بلاتر نفسه يعتبر مسؤولا نزيهاً وغير ملطخ بقضايا فساد معروفة، فإنه أهمل وتباطأ بشكل مخيف في تخليص منظمته من المسؤولين الفاسدين، ولا يزال يتعين عليه اتخاذ قرار نهائي بشأن استضافة قطر لمنافسة كأس العالم في عام 2022، والتي ستقام أثناء فصل الصيف، حيث تكون درجات الحرارة شديدة الارتفاع، فضلا على اللغط الذي أثير مؤخراً بسبب مؤشرات وتسريبات حول وجود رشاوى وراء قبول استضافة قطر لمونديال عام 2022. ولا يزال من غير الواضح، ومن المثير للريبة بصورة ما، السبب في منح قطر شرف تنظيم تلك المنافسة المهيبة. وبالتأكيد، تعتبر قطر ثرية بما يكفي لإنشاء المرافق، لكنها لم تكن بحال من الأحوال طرفاً قوياً في منافسات كرة القدم عالمياً أو محلياً. ويحتل منتخبها الوطني الترتيب المئة عالمياً. لكن على الرغم من ذلك، وبصفتها الدولة المضيفة، فإنها ستتأهل تلقائياً للمشاركة في مباريات المونديال، وسيكون التحدي الحقيقي هو الظهور بأداء يتمتع بالمصداقية من خلال مواطنين قطريين محليين بدلا من مواهب مستوردة من الخارج. وبالطبع إذ مضت قطر قدماً في تنظيم كأس العالم عام 2022، فإنها ستعزز من أهمية كرة القدم في أنحاء الشرق الأوسط، ويمكن أن يصبح ذلك دافعاً للدول الآسيوية والأفريقية كي تقدم مساهمات أفضل في هذا المجال. وقد كان أداء منتخبات هذه الدول في منافسات كأس العالم السابقة، مع وجود استثناءات قليلة، مخيباً للآمال بصورة كبيرة. وربما يكون من الضروري زيادة عدد الفرق التي يمكنها التأهل من آسيا وأفريقيا بحيث يصل إجمالي الفرق المتأهلة للكأس إلى 40 فريقاً بدلا من 32 فريقاً في الوقت الراهن. لكن مثل هذا الإجراء من شأنه إثارة احتجاجات، خصوصاً في أوروبا التي تعج بكثير من الفرق المتميزة التي تفشل عاماً بعد عام بسبب القيود المفروضة على عدد الفرق الأوروبية التي يمكن تأهلها. وفي ضوء الاهتمام الكبير باللعبة والقرارات المرتقبة بشأن ما إذا كان سيتم انتخاب بلاتر لفترة خامسة، وما إذ كانت قطر ستستضيف مونديال كأس العالم في عام 2022، سيستمر الجدل الصاخب بشأن الكأس واللعبة، ومن المتوقع أن تزيد حدته خلال الأشهر المقبلة.