في سبتمبر عام 2000، وقعت 191 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على ما عرف بإعلان الألفية (Millennium Declaration)، الذي ألزم وفرض على زعماء العالم، وعلى حكومات الدول المختلفة، محاربة الفقر، والجوع، والمرض، والأمية، والتدهور البيئي، والتمييز ضد النساء. ومن بين ثنايا هذا الإعلان خرجت وانبثقت أهداف الألفية للتنمية (Millennium Development Goals)، وهي ثمانية أهداف محددة، وافقت الدول الموقعة على الإعلان، على السعي لتحقيقها بحلول عام 2015، مع وضع مؤشرات لمراقبة التقدم المتحقق مقارنة بعام 1990. ومع اقتراب ساعة الصفر، ودنو الموعد النهائي لتحقيق تلك الأهداف، الذي يحل في العام القادم، تظهر العديد من المؤشرات تحقق تقدم ملموس على صعيد العديد من المجالات، وإن لم يكن فيها جميعاً، وبدون تساوٍ بين مناطق العالم المختلفة. فعلى سبيل المثال، انخفضت وفيات الأطفال دون سن الخامسة، من 12,6 مليون سنوياً عام 1990 إلى 6,6 مليون فقط بحلول عام 2012، وهو ما يشكل انخفاضاً بحوالي النصف تقريباً، ويجسد إنقاذا لحياة 6 ملايين طفل كل عام. وعلى المنوال نفسه، انخفضت نسبة الأطفال ناقصي الوزن دون سن الخامسة في الدول النامية، بسبب سوء التغذية والأمراض المُعدية، من 25 في المئة عام 1990 إلى 15 في المئة فقط بحلول عام 2012. كما تعتبر معدلات العدوى بفيروس نقص المناعة المكتسبة وما ينتج عنه من مرض الإيدز، من المجالات التي شهدت أيضاً تقدماً ملحوظاً هي الأخرى، حيث انخفضت معدلات العدوى والإصابة حول العالم في الفترة الممتدة من عام 2001 إلى 2012 بنسبة 33 في المئة. وهو ما ينطبق أيضاً إلى حد كبير على معدلات الإصابة بميكروب السل أو الدرن، وخصوصاً الوفيات الناتجة عن هذا المرض بين المصابين بالإيدز. ويعتبر الهدف الرامي لتوفير مياه شرب نظيفة صالحة للاستخدام الآدمي لقطاع أكبر من سكان العالم من الأهداف التي تم تحقيقها بالكامل عام 2010، بناء على القياسات المعتمدة على المؤشرات غير المباشرة لمدى توفر مصادر مياه الشرب، وإن كان الجزء المتعلق بنظم الصرف الصحي الآمنة والفعالة ما زال دون الحد المأمول. وهو ما ينطبق أيضاً على الهدف الرامي لتوفير أحد أفراد الطاقم الطبي المدرب والمؤهل أثناء عملية الولادة، فعلى الرغم من ازدياد نسبة حالات الولادة حول العالم التي يتوفر لها هذا الشرط، إلا أن المنطقة الأفريقية، ضمن مناطق منظمة الصحة العالمية، ما زالت فيها أكثر من 50 في المئة من حالات الولادة تتم دون وجود أحد أفراد الطاقم الطبي المؤهل والمدرب. ويسعى الهدف الأول من بين أهداف الألفية إلى القضاء على الفقر المدقع وعلى الجوع المزمن، بناء على أن سوء أو نقص التغذية، وما يؤدي إليه من قصور في نمو الجنين، وإعاقة نمو الأطفال، والإصابة بالضعف والهزال، ونقص فيتامين (أ) وعنصر الزنك، وعدم إدرار الحليب بشكل كافٍ لتحقيق مستوى مرضيٍّ من الرضاعة الطبيعية، يعتبر السبب الأول والرئيسي خلف 45 في المئة من الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة. ويعتبر هدف الألفية الخامس للتنمية، والرامي لخفض الوفيات بين الحوامل والأمهات الجدد بمقدار الثلاثة أرباع، مع توفير الرعاية الصحية الإنجابية للجميع، من الأهداف التي لا زالت بعيدة المنال عن التحقيق إلى حد ما. فعلى رغم الانخفاض الهائل والملحوظ في الوفيات بين النساء الحوامل والأمهات الجدد، من 523 ألف وفاة عام 1990، إلى مجرد 289 ألف وفاة عام 2013، إلا أن معدل الانخفاض -والبالغ 45 في المئة فقط- لا زال بعيداً عن هدف خفض تلك الوفيات بنسبة 75 في المئة، حيث يتطلب تحقيق هذا الهدف أن تتوفر للنساء الحوامل والأمهات الجدد رعاية صحية إنجابية جيدة المستوى، مثل المتابعة أثناء الحمل. ولكن على رغم التوصية بضرورة توفر 4 زيارات صحية أثناء الحمل، نجد أن نصف النساء الحوامل حول العالم، يقضين حملهن دون أن يتوفر لهن هذا الحد الأدنى من الرعاية الصحية. ويعتبر النقص في عدد القابلات أو «الدايات»، من الأسباب الرئيسة خلف هذا العدد الهائل من الوفيات بين النساء الحوامل والأمهات الجدد، حسب تقرير صدر مؤخراً عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للقابلات، ومنظمة الصحة العالمية، وأظهر أن النقص الحاد في عدد القابلات في 73 دولة حول العالم، يتسبب في وفاة أعداد كبيرة من النساء الحوامل والأمهات الجدد، وفي وفاة أطفالهن حديثي الولادة والرضع. ولن يتسع المجال هنا لاستعراض أهداف الألفية الثمانية جميعها، أو الإسهاب في النجاحات التي تم تحقيقها، أو في شرح أسباب الإخفاقات التي لا زالت تحتاج إلى المزيد من الجهد والمصادر لتصحيحها، إلا أن الواضح أن المجتمع الدولي، ممثلاً في حكومات الدول، والمنظمات الدولية، والهيئات والجمعيات الخيرية، قد خطى خطىً واسعة على طريق تحقيق الأهداف التي انبثقت من إعلان الألفية. ومع اقتراب ساعة الصفر، والموعد النهائي الذي حدد قبل أربعة عشر عاماً لتحقيق تلك الأهداف، لابد أن تتم مراجعة شاملة لما تم إنجازه، لتستنبط الدروس والعبر، التي يجب أن توظف مستقبلاً في زيادة الكفاءة والفعالية، في تحقيق أهداف التنمية التالية، التي ربما يضعها المجتمع الدولي نصب عينيه عما قريب.