لم يعد خافياً على أحد مدى الاهتمام الذي أولته دولة الإمارات العربية المتحدة، ولا تزال، لتوفير أقصى درجات الرفاه الاجتماعي والاقتصادي والخدمي لعموم المجتمع الإماراتي من المواطنين والمقيمين سواء بسواء. وقد تجسد هذا الاهتمام، منذ زمن بعيد، بصيغة سياسات استراتيجية، بالرغم من النفقات الهائلة التي تتحملها خزينة الدولة لتنفيذ المشاريع الاستراتيجية في مجال الطاقة والمياه، حيث ترتبط جميع الأنشطة الحياتية والإنسانية كالزراعة والصناعة والخدمات وغيرها من الأنشطة بهذين المصدرين الاستراتيجيين، وهما المصدران اللذان حرص المغفور له -بإذن الله تعالى- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، على بناء الأفلاج وإنشاء القنوات وبناء السدود لخزن مياه الأمطار، وتوفير المياه من دون مقابل من أجل تنمية الإمكانات الزراعية واستصلاح الأراضي الزراعية الجديدة، إلى أن حقق، رحمه الله، ما يشبه المعجزة بزراعة الصحراء، كأحد أهم إنجازاته الخالدة، حيث استطاعت الإمارات بفضل سياسته الحكيمة ترويض الصحراء والتغلب على طبيعتها القاسية والجافة، ودرجات الحرارة العالية لتتحول إلى أرض خضراء وبساتين عامرة بالنخيل والخضروات. ودولة الإمارات العربية المتحدة باعتبارها إحدى الدول التي تعاني شحاً حاداً في الموارد المائية المتاحة، إذ يبلغ نصيب الفرد من المياه فيها أقل من 500 متر مكعب في السنة، وقد بذلت الدولة جهوداً جبارة على مدى عقود من الزمن من أجل تحسين هذا المؤشر، من خلال توفير المزيد من مصادر المياه، فبدأت ببناء محطات التحلية ذات الطاقات الإنتاجية الكبيرة، ويقدر إجمالي الاستثمارات الإماراتية في قطاع الطاقة والمياه التي تنفذها الدولة خلال الفترة بين 2011 و2013 بنحو 125.8 مليار درهم، وهو توجه ثابت في سياسات الدولة، من أجل تلبية الطلب المتزايد على المياه، إذ يتوقع أن يرتفع الطلب على المياه في الدولة إلى نحو 9 مليارات متر مكعب بحلول عام 2030؛ أي ما يقدر بنحو ضعف مستواه في عام 2008، وهو ما يعد أحد أوجه النمو والتطور والازدهار الاقتصادي والتنموي الذي تعيشه دولة الإمارات العربية المتحدة الآن. وإزاء هذه الجهود التي تبذلها دولة الإمارات العربية المتحدة ومؤسساتها المختلفة في مجال توفير مصادر المياه الكافية والآمنة، فإن الواجب الوطني والإنساني يحتم على المواطنين والمقيمين على أرض هذا الوطن تحمل مسؤولية مضاعفة في ترشيد استهلاكهم من المياه والطاقة، ومختلف الموارد الطبيعية والاقتصادية، ليس فقط لترشيد النفقات والتخفيف عن كاهل الموازنة الحكومية وحسب، ولا من أجل الحفاظ على بيئة خضراء وديمومتها فقط، بل من أجل ضمان مستقبل الأجيال القادمة من أبنائنا الذين سيواجهون ظروفاً مناخية أكثر صعوبة، بسبب النتائج المترتبة على الاحتباس الحراري العالمي الذي يتفاقم يوماً بعد آخر، مما يضيف في الدول التي تعيش ظروفاً مثل ظروفنا الصحراوية تحديات مضاعفة. وفضلا عن ذلك، فإن الجهات المعنية مطالبة هي الأخرى بالتفكير الجدي في سن تشريعات وضوابط صارمة تحدّ من مظاهر الإسراف غير المبرر وغير المنطقي في المياه والطاقة، لاسيما ونحن نرى في بعض الأحيان تبذيراً واضحاً في الاستهلاك على مستوى الأفراد وأحياناً من قبل المؤسسات، في مقابل تحمّل الدولة تكاليف مالية كبيرة، يمكن أن تستثمر في مجالات أخرى ليست أقل أهمية من الطاقة والمياه، كالارتقاء بميدان الصحة والتعليم والخدمات وغيرها من المجالات ذات الأهمية الكبيرة في الارتقاء بالإنسان ورفاهيته وتقدمه.