في سوريا، استطاعت «داعش» تخريب ثورة الشعب السوري، وصار نظام بشار يسترد تدريجياً المناطق التي خسرها من يد الثوار، بعد أن شُغل هؤلاء بمختلف أطيافهم بالقتال مع «داعش» تارة، ومع قوات النظام والميلشيات الطائفية. وفي العراق، استطاعت «داعش» تضييع قضية العرب السّنة الذين ظلوا لسنوات يجأرون بمرّ الشكوى من تصرفات حكومة المالكي الطائفية، فدخلت أو أدخلت «داعش» إلى مناطقهم، وأعلنوا قيام «دولة الخلافة»! وفي اليمن، تمكّن الحوثيون من الاستيلاء على محافظتين، وباتوا على أبواب صنعاء، بعد أن أُرهقت قوات الحكومة في حربها مع الحوثيين في الشمال، وتنظيم «القاعدة» في جنوب ووسط البلاد، حيث مناطق السُنة. وفي الدول الثلاث، هناك أمران يحدثان معاً ويرتبط وجود أحدهما بوجود الآخر، الأول تحقيق انتصارات لأنظمة وقوى مدعومة من إيران، والثاني دخول جماعات إرهابية على الخط، وارتكاب أعمال تفيد الأطراف المدعومة من إيران. هذا ما يجعل بعض المحللين يذهبون إلى أن الجماعات الإرهابية في تلك الدول، والمحسوبة عقائدياً على السنّة، إنما تعمل لصالح أجندة مضادة لأحلامها الجنونية، وتحقق لها أهدافها بغباء لا حدود له. ولا يمكن تصوّر أن الإرهابيين السُنة، وهم بمئات الآلاف، ومن مختلف الجنسيات، على علم بأنهم يُدارون من قِبل أعدائهم العقائديين، والأقرب إلى العقل والتصوّر أن هذه الجماعات مخترقة، أو تُمكّن من تحقيق بعض الانتصارات المحسوبة، فتعتقد أنها معجزات إلهية، وهذا يجعلها أكثر تشدداً، ويقيناً من صدق دعواها. إن كان هذا كله صحيحاً، فماذا يمكن أن نقوم به لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والحيلولة من دون إحراق المزيد من الأرض العربية؟ ماذا يفعل الأب الذي يرى ابنه المتطرف يساعد من حيث لا يشعر جاره على تخريب بيته؟ أعتقد أن هناك طريقتين للمواجهة، إحداهما مواجهة ذلك الجار مباشرة، والثانية الجلوس مع ابنه وتصحيح أفكاره وإقناعه بأنه يُستغل من حيث لا يدري. وبطبيعة الحال، فإن الخيار الأول سيعني حرق الأخضر واليابس، مع بقاء مشكلة ذلك الابن الذي قد يُستغل من طرف آخر، وفي مناسبة أخرى. ومن ثم فإن الخيار الثاني يظل هو الأفضل، ما دامت المشكلة أساساً نابعة من داخل البيت. إذا اتفقنا على كل هذا، فإن السؤال الذي نتهرب منه في كل مرة هو: ما الذي يجعل بعض أبناء الدول العربية «دواعش» و«قاعديين»؟! هل أجهزة الاستخبارات المعادية تصنع هؤلاء أم تستغلهم فقط؟! هل اختفاء الدول التي تستغل هذه الجماعات من الوجود سيعني بالضرورة اختفاء «الدواعش» من بيننا؟! نحن نضيع الكثير من الوقت في الحديث عن استغلال هؤلاء المتطرفين وتحريكهم بـ«الريموت كنترول»، ونعطي القليل من الوقت لمناقشة أسباب تطرف هؤلاء. تارة نقول إن الفقر هو السبب، لكن هذا لا ينطبق على الكثير من «الدواعش» الخليجيين. وتارة نقول الاستبداد، فماذا عن «الدواعش» الأوروبيين؟! وتارة نقول الغضب من الجرائم الطائفية، فماذا عن جماعة «بوكو حرام» البعيدة عن فتن هذه المنطقة؟! وتارة نقول التفكك الأسري، لكن هذا لا يصح في بعض الحالات التي ينخرط فيها جميع أفراد الأسرة في التطرف. وقد لا يخرج «الداعشي» أو «القاعدي» من أحد هذه الأسباب، لكن ما العنصر المشترك بين الآتي من بيئة فقيرة والآتي من الفلل الراقية؟ ما الذي يجمع بين الطبيب والأمي؟ ما الذي يجمع بين المنتمي لبلد غير ديمقراطي بالقادم من بلد يحق للفرد فيه إبداء رأيه كما يشاء؟! هذا هو السؤال الذي علينا الإجابة عنه قبل كل شيء.